Thursday, December 30, 2004

مختارات الحديقة ...................محمود البريكان


أعددتُ مائدتي..
وهيّأتُ الكؤوسَ..
متى يجيءُ الزائرُ المجهولُ ؟
أوقدتُ القناديلَ الصغارْ ببقيّة الزيت المضيءِ
فهل يطول الانتظارْ ؟
أنا في انتظار سفينةِ الأشباح تحدوها الرياحْ
في آخر الساعاتِ
قبل توقّفِ الزمنِ الأخيرْفي أعمق الساعاتِ.
صمتاً: حين ينكسر الصباحْ كالنّصل فوق الماءِ
حين يخاف طيرٌ أنْ يطيرْفي ظلمة الرؤيا
سأركب موجةَ الرعبِ الكبيرْ وأغيب في بحرٍ من الظلمات
ليس له حدودْ
أنا في انتظار الزائرِ الآتي، يجيء بلا خطًى
ويدقّ دقّتَه على بابي.
ويدخل في برودْ
أنا في انتظار الغامضِ الموعود،
تحمله الرعودْ والريحُ،
يوشك أنْ يحلّ الوقتُ
.والأُفْقُ الطويلْ
خالٍ وليس هناك ظلُّ سفينةٍ
يبدو الوجودْ كالقوس مشدوداً،
لكنْ لا علامةَ للرحيلْ.
.سقطتْ فناراتُ العوالمِ دون صوتٍ.
الرياحْ هي بعدُ سيّدةُ الفراغِ.
وكلُّ مُتَّجَهٍ مُباحْ
وتغيّرتْ طُرُقُ الكواكبِ فوق خارطةِ السماءْ
الآنَ تكذب ألفُ بوصلةٍ تشير إلى الفناءْ
وعلى مسار الوهمِ ترسم خطَّها القَلِقَ القصيرْ ما من مغامرةٍ.
هو التيهُ المجرَّد في العراءْ !أَتذكّر الموتى.
ولونَ دموعهم في الزمهريرْ(ولعلّهم كانوا جميعاً قبل ذلك أبرياءْ)لم يهلكوا جوعاً ولا عطشاً
، وإنْ كانوا ظماءْ ماتوا
بداء الوهمِ ليس لطائر البحرِ الجميلْ
شكلٌ وقد لا ينزف الدمُ من قتيلْ
.أتذكّر المدنَ الخفيّةَ في البحارْ
أتذكّر الأمواتَ والسفنَ الغريقة والكنوزْوسبائكَ الذهبِ المصفّى،
والعيونَ اللامعا تْ وجدائلَ الشعرِ الجميلةَ في القرارْ منشورةً
، وأصابعَ الأيدي المحطَّمة النحيله مفتوحةً
لا تُمسك الأمواجَ في الطُّرُق الظليله في القاع،
تنتثر النياشينُ المدوّرة الصقيله
وتقرّ أسلحةُ القراصنةِ الكبارْيا
طالما أسريتُ عبر الليلِ أحفر في القرارْ طبقاتِ ذاك الموتِ،
أتبعتُ الدفائنَ في السكونْ
أستنطق الموتى
أرى ما كان ثَمَّ وما يكونْ
وأَشمُّ رائحةَ السكونِ الكامل الأقصى
أُريدْ أنْ لا أُمثِّل من جديدْآلامَ تجربةِ العصورْ أنْ لا أُقَطَّع بالتوتّر،
أو أُسمَّر في الحضورْأبصرتُ آدمَ في تعاسته،
ورافقتُ الجيوشْ في أضخم الغزواتِ،
نئْتُ بحمل آلاف النعوشْ غنّيتُ آلافَ المواسمِ،
همْتُ في أرض الجمالْ
ووصلتُ أطرافَ المحالْ
ورأيتُ كيف تُدمَّر المدنُ المهيبة في الخفاءْشاهدتُ ما يكفي،
وكنتُ الشاهدَ الحيَّ الوحيدْفي ألف مجزرةٍ بلا ذكرى
،وقفتُ مع المساءْأَتأمّل الشمسَ التي تَحمّر
كان اليومُ عيدْ ومكبّراتُ الصوتِ قالت: كلُّ إنسانٍ هنا هو مُجرمٌ حتى يُقامَ على براءته الدليل
وسمعتُ أبواقَ الغزاةِ تضجُّ في الليل الطويلْ
ورأيتُ كيف تُشوَّه الأرواحُ جيلاً بعد جيلْ
وفزعتُ من لمعان مرآتي
: لعلّي كالمسوخ
مسخ تقنعه
ا لظلالْ
وعجبتُ منها دمعة في القلب
تأبى أن تسيلْ
والدمعُ مهما رقّ هل يكفي لمرثية الجمالْ ؟
الوقتُ أدرك رعشةً في الريح تعكسها الصخورْ
الوقتُ أدرك موجة تنداح من أقصى الدهورْ
الوقتُ أدرك لستُ وحدي
يعرف القلبُ الجسورْ أنّ الرؤى تمّتْ وأن الأفقَ يوشك
أن يدورْ
أنا في انتظار اللحظة العظمى
سينغلق المدارْ
سينغلق المدارْ
والساعةُ السوداء
سوف تُشَلّ تجمد في الجدارْ
أنا في انتظارْوالساعةُ السوداء تنبض
نبضَ إيقاعٍ بعيدْ رقّاصُها متأرجحٌ قَلِقٌ يميل إلى اليمينِ.إلى اليسارِإلى اليمينِ إلى اليسارِإلى اليسارْ .

No comments: