Monday, December 12, 2005

ايتها القصيده............مهدي النفري


أيتها ألقصيده
......................
اجل
أيتها ألقصيده
أيتها الكلمات ألعابره بي
إلى حيث لاجديد
أناجيك ألليله
كبقية الليالي
ياصاحبتي الوحيدة وظلي
أناجيك لتعودي بي
لتدوري معي محطات عبرتها
وأخرى تنتظر أقدامي
محطات توغلت داخل سنين عمري
كتبت رمادها داخلي
زرعت وحصدتُ أنا وحدي
أيتها ألقصيده
كم من حقيبة تكسرت على ظهري؟
كم من الذكرى
دفنت نسيانها بدمي؟
كم من رصيف كتب عيون العابرين فيه تجاعيدهم في وجهي؟
أيتها ألقصيده
لم ادري إذا أخفيت يقظتي داخل غبار احرفك
أم إني مازلت مؤمنا بهذه الريح
الجالسة فوق صدري
تنتظر أن تفتح النوافذ أشرعة الماضي
أن تدنوا أيدي المودعين لأصافح حرارتها من جديد
أيتها ألقصيده
من يأتي بك؟
من يأتي بخطواتي التي تركتها وراءي تتعقبني؟
.......................................
مهدي ألنفري
هولندا
12.12.2005

Wednesday, December 07, 2005

ايتها الورده.........مهدي النفري


ايتها الورده من جاء بك ؟
اصابع الذكرى تتلوى
وحيده
تفرك النسيان
تحاول المرور من خلال عتمة النافذه
باب آخر يترك وراءه ظل الماره
ايتها الورده
كنا .........كاعشاب تلقفها الربيع لاول مره
وهاهي الايام تجلس فوق طاولاتنا
تصرخ بافواهنا
كم تبقى بحوزتكم من النسيان؟
كم تبقى بجيوبكم من الذكرى؟
ونحن مشدودين لالسنتنا
نبحث عن
الحروف
ترى اين هي؟

Monday, November 28, 2005

دوائر مغلقه.........مهدي النفري


....................
ليس مهما ان يموت احدنا في هذا العالم
العالم خُلقِ ليموت
هذه الشعارات ليس لها قيمه .......منذ أن تكرم الإنسان وأعلن تمرده على الخالق ورفضه ألجنه
وهو يدور كالرحى يحاول أن يتملص من الموت بأي وسيله حتى لو كانت تلك الو سيله هي الموت نفسه
ترى لماذا يموت المخلوق؟
المخلوق بكل أنواعه سواء كان طائرا او حيوان أو إنسان والبقية لاتحتاج للتذكير بها
هل هي طريقة معاقبة الإنسان لأنه تمرد؟
أم هي صياغة أخرى لفرض قانون سواء رضي به المخلوق أم لم يرض
لااحد يقودك إلى جواب
حتى كتب السماء لاتاتي لنا باجوبه واضحه تفسر لغز موتنا
واغرب من الغريب ان يعاقب الانسان اخيه في الخلق يالموت
فترى الحروب تاخذ طريقها الينا ....تسكن داخل كل واحد منا سواءا اولئك الذين يلعنونها علنا او بالسر او اولئك الذين يفتحون قلوبهم لها ويطبقون ماتريده منهم بكل التفاصيل.

Saturday, November 19, 2005

اقول وداعا


أقول وداعا
للشوارع ألخاليه من الأحياء
للأصدقاء الذين اخذوا حياتهم معهم وتركوا لنا الموت صديقا يسير معنا كلما اشتقنا للحديث إليهم
لأمهاتنا التي جلست داخل دموعها وتركتنا نحتسي يوم ولادتنا بدون عيد ميلاد
للحقائب التي كسِرت ظهورنا من كثرة الترحال
للظل أللذي توسد أشعة الشمس وبقي ينتظر الغروب
للجميع
أقول وداعا
:::::::::::::::::::::
لوحة الغلاف من اعمال مهدي النفري

Tuesday, November 08, 2005

نقطه في الهواء الطلق...........مهدي النفري

نقطة في الهواء الطلق
ليس من هناك او هنا
الداخل بين دفتي ظله
لم يمنح تراتيل القنبرة سوى الصمت
بين كفيه
جلس الحالم بالحلم
يدون اسفاره
التي تركها وراءه للهجير
لم يكن الامر
زائلا
او خرق للانفاس الساقطة داخل الوهم
كان الليل مدينة لاحدود لها
تحيط بكل الاسفار
وحين يداهمه النسيان
يخرج الذكرى من اخر المطاف
ويبدا من جديد الدورة
لم يترك الظلمة
تفلت من قبضة اصابعه
خطواته التي تركها للريح
كانت لها حكاية اخرى
حكاية الصداقات
والخيانات
والهزائم والانتصارات
حكاية المراكب
التي جفت مراسيها
حكاية الضباب الذي لف
الجميع
ولم يترك ثمرة
تنضج
او جسد يكبر
داخل المرآة



Sunday, October 30, 2005

حين ................مهدي النفري



حين يصبح العدم الباب الوحيد
للكلمه
الأشياء هنا تتكور
تُدحرِجُ بقاياها لثمرة القطاف
كم من ريح مرت بجانبي؟
وأنا كذرات رمل أتطاير لأجمع نفسي في شتات أخر
ابلغُ أيامي .....أيام تتكسر لحظة بلحظه
تكتب زوالها بيديها
وحين تصل النهاية
تبدأ من جديد تكورها لتطلق شمعة الذكرى تفك بها طلسم النسيان
.......................
اللوحه من عمل الطفل سامي مهدي ....العمر 5 سنوات

Thursday, October 20, 2005

نص ..........عبدالواحد الانصاري

إلى الصديقين:
صديقي الشاعر محمد: وقد أوردت مقاطع شعرك التي استحوذت علي هنا.
وصديقي المهاجر موسى: ليكن عزاؤك أن الذين تركتهم لم تعد لهم قيمة بعدك.
هذا صباحٌ أبيض، وإذنْ فجدران البيت البيضاء ستبدو حليبيّة، وفي ارتداد الفناء الخارجيّ لا تجد الشمسُ منفذاً؛ لأنّ منفذ المنزل شماليّ وجداره مرتفع، ومن الشرق والغرب تحف به بيوت أعلى منه. اليوم تنفّس الصبح وفي بقعة الفناء ندىً جمانيّ كقطرات العرق، ودجاجة رصاصية منقطة بالأبيض تقترب من شذى البلاط وكأنها تشمّ، إنه تأثير البرودة وقطر الندى على مربعات الأرضيّة الناعمة كرخام مصقول، في بكور نهارٍ يتوعّد بحرارة حارقة لأن الدنيا على وشك الدخول في أنواء الصيف. وكلما ابتعدت الدجاجة وخفتت قوقأتها هبط عصفور يلحق به نظيره، يستأنفان التشمّم الذي بدأته الدجاجة، منتعشيْن، تنطلق من حناجرهما الحادّة زغردة حذرة كأنها لم تصدّق بعدُ بوجود هذا الانتعاش الذي تقف عليه. ويُسمع صوتُ خطوات إنسان يمرّ من خلف الجدار فتسارع الدجاجة الخطو إلى مدخل المنزل حيث الصالة الخالية إلا من الصدى، يميزها هذا الحذر الفطري، فتتوارى عن مجال الخطى التي تسمع وقعها من الخارج، ثمّ تقوقئ في قلق ظاهر، ويرتدّ صدى قوقأتها في الصالة فيطير العصفوران، ليدورا بضع حوماتٍ في الفضاء ثم يعودان بعد اطمئنانهما إلى البلاط البارد.


**


كلّ هذا وهو يتقلّب في منامه، ويحلم أحلاما خافتة ليس لها من الوضوح ما يجمعها في حدثٍ واحد يحتويها، وكأنما هي أصوات الفضاء العام أو إيقاع تنفس المدينة. ولعلّ هدوءاً كهذا يفسح للأصوات والأصداء البيتيّة فرصة لأنّ تبدو أكبر أحجاما وأقرب إلى الاستقبال في دائرة ما تلتقطه حواسّ هذا النائم. إنه يسمع، لكنه رأى أنّه يخطو ويرى ويسمع! مشى وصدى خطواته يحفّ به؛ مرّت الدجاجة من بين قدميه، رافعا لها ثوبه لتمرّ من بينهما بحنان، كأنما تمسّد جسمها بسراويله، وعلى سبيل مداعبة للذكرى وطأت سبّابة قدمه اليسرى قبل أن تستأنف مسيرها مصعدة، فأحسّ بألم كأنما دُقّت أصبعه على حصاة، وحفّ به العصفوران فدارا من حوله ودار معهما، ومدّ أمامه ذراعيه في حركة يعني بها استدعاءهما ليحطا عليه، ثمّ رفع ذراعيه كغصنيْن فتيّين، فاستجاب أحد الطائرين -ولعله كان أجرأهما- وحطّ عليه، تسمّر الرجل في مكانه برهةً، ثمّ تحرّك إلى الأمام كمن يسير نائما، واستقرّت به طمأنينة لأنه كان مركّزا نظره عليهما، وهما يتشممان ذراعه ويداعبان زغبه الخفيف بمناقيرهما! كأنهما يلتقطان حبّاً، قال: خُلقت العصافير لالتقاط الحَب، وحتى لو لم تجده فستتظاهر بوجوده ثم بالتقاطه! وبلغت به طمأنينته واستغراقه في المشهد حدّا جعله ينسى ما تحته ويرتفع في الفضاء.


**


لكنْ أعاده إلى فسحة بيته صوت صبية صغار، طيّر العصفورين بحركة كالتي ينفض بها ذبابا عنه، وأعاد مرفقيه فعقدهما أمامه، وسمع صبيّاً يقول:


- أنا مستعدّ لدحرجته إلى الوادي أو تلطيخه بالنفايات.


رد صبي غيره:


- أخشى أن تهرب.


أجاب مؤكدا:


- الحمار هو من يهرب.


قال في نفسه: حسبي الله، أهذا ما تُعدّه مساكننا الوادعة للغد؟ ثم خرج فتفرق صبية سودٌ عديدون، وقد توقّع من سيكونون من لهجتهم الجنوبيّة ودقّة أصواتهم، وهو يعرف من هم ومن أيّ زقاق خرجوا إلى الدنيا، كانوا رهطاً بين ثلاثة وخمسة، ووجدهم وقد علّموا سيارته بقلم خط أزرق عريض: رسمٌ رديء لجمل غير مكتمل، وخلفه دائرة مُطْلقة فارغة! ملأه الغيظ! بمَ أزيح هذا الأثرَ؟ ببخّاخ أبيض؟ ولكنه لون يستر لوناً وليس إزاحة للأذى بكامله، ثم اختار أن يفكر في الأمر لاحقا.


**


استنشق الهواء الرطب البارد، وامتدّت أمامه أرض ترابية سلبيّة، تتّحد عند حد الأفق بسماء صافية وكأن المحيط الذي يشغله ليس إلا جزءا من امتدادها وهو في مركز الفضاء السديميّ، ولشدة التناسق شعر أنّ وزن الكتلة في أي مكان سيذهب إليه سيكون مطابقا لوزنها في الموضع الذي سيغادره، وسيكون في مركز العالم دائما.


ويرنّ هاتفه المتنقّل فيتململ في موضعه، وكأنما نقص عليه هذا الصوت الدخيل من فسحة الفراغ غير النهائي الذي يسبح فيه، أو كأنما تطفّل عليه فمٌ آخر ليشاركه بفظاظة في تنفسه هواء ذلك الفضاء المبهر في فساحته وسلامه. وتسلل إليه من التنغيص ما لا يقلّ إزعاجا عن دبيبِ ذبابة على الوجه أو هياج عطاس عنيد في الخياشيم! وهنا لجأ المتقلّب في منامه إلى حلول الحركات الرافضة؛ لعلّ الحركة تقصي عنه بأصواتها وأحاسيسها الخاصة بها ما ينفي عنه ولو نزرا يسيرا من حدّة الصوت الذي اخترق سكينته؛ فرفع رجليْ زوجته النائمة في وضع استلقاء وأراحهما فوق رجليْه، وكان منها هي أنْ شعرت بوجوده بعد أن كان استغراقها في النوم يبعدها عنه بضع خطوات على الأقل، تقبّلت المرأة هذه الحركة بودّ نبيل ومشبع بالعرفان، وأصدرتْ صوتا مداعبا، وكاد هو أن يستيقظ على وقع صوتٍ جديد ينبثق من داخل صُلبه هذه المرّة، ولكنّ حبل النوم جرّه بوداعة إلى أحضانه فاستسلم وهمد وانتظم تنفّسه. ثمّ عاد الرنينُ قويّا، وجاء وقعُه الملحّ متأبطاً صيغة من إحدى صيَغِ النداء الصوتي، كأنه صوت مؤذّن أو مستغيث، وهذه رسالة أوحتْ إلى خياله المنطلق بفعل غياب الوعي الخارجي: أنْ يدمجَ تفاصيل هذا الصوتِ بشيء من توقعاته: من يكونُ هذا المنادي الملحّ؟ وهو إنسان بلا شك فهل هو ذكر؟ ليس لي ارتباطات ولا أقارب يريدونني في هذا الوقت إلا أن يكون أحدٌ قد مات! هل يكون المتصل هي؟ غمره وهجٌ غسل بحرارته كسله، واعتراه خوفٌ من تركِها تناديه كمستغيثة من قعر جبّ وهو يتناوم هكذا، كم هو شائنٌ أن تنصرف كسيرة النفس محبطةً بسبب كسلٍ غير مبرّر منه.


قفز بطريقة ارتفعت معها قدما زوجته في الهواء وعبر من تحت عرَقهما نسيم الغرفة، ثم هبطا بقوة واصطدما بالفراش، فأصدرت أنة هي بين الاحتجاج والسؤال: لماذا؟ وتحرّك بحيوية المرتاع ورفع الهاتف قائلا: ألو؟ كان هذا صوتَ صديقته، ولم يفطنْ هوَ إلى أنه ما زال يتقلّبُ حالماً! وأنّ وعيَه -إن لم يتنبّه سريعا- سيورطه في اعتراف بالخيانة، على مقربة سنتيمترين من أذن زوجته، وهاهي تتحرّك على وقع همهمة صوته، بعد أن أزاح رجليه من تحتها، وما زالت متململة في نومها بتأثير الطريقة الفظة التي أزاحها بها عنه! قالت التي عبر الهاتف:- لماذا لا تردّ؟ هل أنت مشغول؟ هل عندك أحد؟ قال: لحظة يا عبد الله، سأكلمك فيما بعد.


كان واقفا في الصالة الآن، ويرى الدجاجة تبتعد عن مجال حركته المرتبكة، وعاد مشياً وهو يحاول أن يتخلّص من محاصرة قلقه، ولما استدار وجد زوجته في وجهه تهزأ:- عبد الله، هاه؟ عبد الله؟ لم تضعفه الصدمة بل تحرّك في جوفه شلاّل من الغيظ، شلاّل يتدفّق إلى الأعلى، نافورة، وينتشر في الأطراف، مطر زوبعيّ؛ كيف عرفتْ كلّ شيء وهيَ لم تسمعْ شيئا؟ من عادتها أن تفاجئه بمعرفتها بما فعله بعد مضيّ قرونٍ من اكتشافها له، وبعد تعذيبه طوال فترات من المراقبة المتوجّسة والتلميحات المحملة بشتى التضمينات الساخرة، وبعد أن ييأس تتركه حتى يذهب إلى العمل، ثم تهتف له بصوت هادئ مزدرٍ:- أعلم أنك تكلّم امرأة. في هذه المرة تقف أمامه:- عبد الله، هاه؟ هاه؟ غاظته هذه القدرة التي تمتلكها، وأنشطته هذه النافذة التي تفتحها متى شاءت على أغوار سريرته فتنتزعها بكل اقتدار. واستبدّ به الاغتياظ فلوح بيده في الهواء وصفعها، لم يتحرك منها شيء ولم يبد أنها تألّمت، حتى شعرها بقي ثابتا على حاله، وعنقها مستقرة على جذعها بشمم كالزاوية القائمة، كأنما رقبتها لوح من رخام صلد:- عبد الله، هاه؟ وجذعها مسربل بقميص البيت العُماني الأحمر، الموَشّى حوافّ الأكمام وجيب العنق بخيوط ذهبيّة، وشعرها مسرّح بطريقة كرات هرميّة بعضها فوق بعض تزيد من طول قامتها فتضفي عليها مزيدا من التسلط، وتلفح أنفاسها وجهه، فيشعر بحاجة ملحّة إلى الفكاك كإلحاح الحاجة إلى التخلص من الخنق. النهار في طريقه إلى التوهّج، والصيف المقبل في الشهر القادم يتعجّل فرصته للحضور قبل موعده، وإذا أشرق المنظر على وجهها وجَلَدَتْه بسياط عينيها فستكون ساعة موته.


إنه ما يزال يتقلّب، وهي بجانبه تشعر بعسر تنفسّه وانتفاضة أطرافه، فتحنو عليه وتميل مريحة ذراعها اللينة المتعرّقة على خصره، وأحس هو بشيء يمسك به محاولا جره إلى الخلف وإسقاطه، فاستثار كل طاقات رفضه، واستجاب الكون على غير العادة فتراجع النهار وهبط ليل لا ظلام فيه، وكأنما اقتربت نجومه من الأرض أو أن الأرض ارتفعت حتى دنت من أجرام السماء.


**


خفّ وزنه على إثر هذا التحوّل، وأيقنَ بانسياب الحركة وحريّة التغيير التي أضفتها عليه استجابة الكون لوجعه الذي استبدّ به منذ قليل، فراق له أن يخف أكثر، وتمنى على نفسه أن يتقلّص حجمه، وكانَ له ما أراد، فبدأ كيانه الجسماني يرقّ وكأنه صوتٌ يخفتُ شيئا فشيئا، حتى استحالت كتلته إلى ما يشبه شرشفا معلقا بمساكة على حبل غسيل، رفع يده وفكّ المساكة عن رقبته، وحكّ موضعها، وأراد أن يطير طيرانا حرّا، فرفعه الهواء، وانسابت به الحركة في غير تحكّم في البداية، لكنّه ما لبث أن أمسك بزمام أمره وصار يوجّه تحليقه الحليم الوديع بنظرِهِ وحدَهُ. ثمّ حلّق في ارتفاع منخفض، ووصل به مشواره المنسرب إلى مشارف شمال المدينة، وضحك وهو يخترق الفجوة المفتوحة في منتصف بناية كبيرة تُعدّ ناطحة المدينة، لقد اخترق دلتا هذه الفجوة مبتسما وكأنه يعوم في مجاهل بِضع امرأة، وتحته هذا الليل البهيج الذي يشبه بكور صبح غائم، وتمتم: هذا أجمل ليل رآه العالم. وسمعته وهي بجانبه وقد خفّ منامها بقدر ما يستجد من حركة جسمه النشط، فأجابته وهي ناعسة: تتكلم وأنت نائم؟ هذا الردّ تحوّل بتحليقه عن مساره، وانتقص من قدرته المطلقة على توجيه ذاته، ومال به قليلا إلى جهة الشمال الغربيّ على حافّة طريق مشجر الجوانب، تمرق منه سيّارات مندفعة لها أزيز، والجوّ مغرِبيّ متحرك الهواء، مضاء هذه المرّة بمصابيح صفراء.


**


اقتنع بأنّ صديقته تجلس في حلقة عائلية وراء هذا الشجر المطل على ناصية الطريق، وحدثته نفسه بالاقتراب واختلاس النظر على أمل أن يجد فرصة ينتهزها أو لقاء يختطفه، وتقدم مسافة يسيرة على الأرض النديّة، فشمّ التراب المبلول قبل أن يلطخ باطن قدمه وعلقت به أوراق جافّة لها خشخشة، ومن تحت الشجر ينبثق ضوءٌ صُمّم لكيْ يلفت النظر إلى جذوعها، عبر شبحه الذي يمشي الآن من بين هذه الأضواء وتجاوزها إلى مساحة أكثف شجرا ولكنها مظلمة، ضيّق عينيه وأمعن وإذا بجندب برتقالي ضخم يبرز إليه الآن من حوض نخلة مغروسة وملفوفة بالخيش ومائلة إلى الشمال، تراجع ليس حذرا من الجندب الذي ظهر في غير أوانه -ربما لأن وعيه استطاع إسعافه بأنه كائن غير واقعي- لكن خشيَةً من أن يتعثر به حظه في أحد أقارب صديقته، فلا شيءَ يخيفُه كنظرة ازدراء توجه إليه بوجه حقّ.


**


استلهم من ضيقه روح المعاناة، واستجدى من طاقات نفسه برغبة باكيةً ذليلة أن تتيح له الطيران مرة ثانية ردد بمذلّة وكأنه يحفر برجائه في جدار طيني: أريد مغادرة هذا الموضع. وكانت زوجته تسمعه الآن بأذنها وليس بعقلها الموثق بغفوتها المستمرّة، وقد استسلمتْ لها الآن، فلو حاولت أن تفهم ما يقوله لكانت صعوبته عليها بمثابة حل فوري لجدول الكلمات المتقاطعة دون الرجوع إلى البيان المصاحب! لقد غاب عن الرجل طيلة حياته الزوجية -لحسن حظ هذه المرأة- أنها كانت تقتنص منه نداءات الحبّ التي يوجهها إلى صديقاته وهو صريعٌ بكؤوس نومه، وتكُون هذه الهتافات المتلهفة المشبوبة كمفتاح باب أو طرف حبل لا يلزمها إلا تتبعه لكي تصطاده؛ والواقع أن طمأنينة عامٍ كامل، سلك فيه زوجها سلوكا نظيفا غير مريب، وعاشرها فيه عشرة حبّ ثملة، هي التي خفّفت من تيقّظها لما يجري، وزاد من الأمر أنّ هذيانات نومه طيلة ذاك العام كانت باكية ومحمومة بقبلات يمطرها -هيَ- بها، وغالبا ما تؤدّي إلى التحامٍ عشقيّ لا نظير له. ثم: لعلّ عقلها الداخليّ يستظهرُ أنّها وكّلت عليه في داخل أحلامه رقيبا صارما يفسِد عليه كل مُتع النوم فضلاً عن أن تتيحَ له نفسيّته النادمة أن يعودَ إلى خيانتها في الواقع. وبرغم ذلك فإنها ظلّت طيلة العام المنصرم تتظاهر بأنها عفتْ عنهُ كرما، وبأنها لم تفقد حيطتَها بعدُ، غير أنّ الحقيقة هي أنّها اقتنعت فقط بسحب جرحاها من المعركة وبالبداية من جديد، إيمانا منها بقدرتها على استعادته من طيشه، و-مؤكَّدا- لأنه لا يستطيع العيش بدونها حتما، وهي ورقة ثمينة تستحقّ أن تقلّبها بين أناملها طويلا. ومن بعدُ: فلا شيءَ أشدّ قدرة من النوم على تزوير ما تتلقّفه الحاسّة المشتّتة بالنعاس، ولا شيء يمكن أن يشبه الشيطان تزويرا للمدارك مثله! وأخيراً: لقد أزاحت شعر جسمها في الليلة الفائتة، وفردت رجليْها على الفراش المجاور له في حركة معناها: هلمّ، وهي مشغولة الذهن -حتى في نعاسها- بانتظار هجمة شرسة منه وليس إعراضا أو خيانة، وما زال بالقربِ منها وهي مستنيمة إلى طمأنينة هذا القرب. فلعلّ كلّ ذلك أفقدها حيطتها وغيرتها، ولو مؤقّتا؛ والآن انقلبت وأدارت وجهها جهة الحائط وقد تدلت شفتاها ومال لعابها إلى جانب وأنفها يستنشق من الوسادة رائحة شعرها، وهي ممتلئة بحيوية تنتظر الاستنفاد، فيما واصل الرجل تحليقه.


**


منساباً كظل طائرٍ مرّ على صفحة ماء، غير أنّ الوجود تطبّقه ظلمة لا أجرام سماويّة تلطّفها، وقال: كان الليل إذا قتل الشمس وزّعها قطعاً صغيرة في ثنايا جلبابه، والناس يدعونها نجوماً، لكنّه اليوم حزين جدّاً أو غاضبٌ! لم يلُح في الأفق ضوء غير ذلك الذي يحتضن فتحة البناية الشاهقة، الفتحة الأسطورية، ضوء يتبدل كل دقيقة، وليس كل دقيقتين -كما كان يراه في صحوه- وفهم الأمر على أنه تعديلٌ أجروهُ لزيادة لفتِ النظر، هاهو يتبدل، من الضبابي الحالم إلى أبيض، ثمّ أزرق فاتح، ثم سماوي، وهذا هو أخضر عشبي، ثم زيتيّ فيه دكنة، وأخيرا توصّلنا إلى ضوء بنفسجيّ له رائحة المخمل الجديد، عبر مجددا في بضع المرأة، أو في هذه الدلتا التي يشبه سقفها مقبض حقيبة، وأخذ به سحرُ الأضواء وانقلب كأنما يسبح على ظهره، وألقى بعنقه إلى الوراء وهو مستلقٍ، فرأى وراءَه طائرة مروحيّة سريعة، تضمّ موكبا سامياً، هاهو يا سادتي يريح الطريق المختنق الذي يوقفه نصف ساعة قبل ذهابه وإيابه ويجرّب التحليق والنظر إلى من وكّل بهم من أعلى، يا أهلا وسهلاً، وستندرجون في موسوعة الأرقام القياسيّة أيضا، أوّلَ من عبروا إلى رحم امرأة تحت ضوء بنفسجي يغري بالاسترخاء، وعلى صهوة طائرة مروحيّة.


**


وشعر بثقل في أسفله وكأنما الوشاح الذي كانَهُ صار محمّلا بكيس تراب في الأسفل، وتسارع سقوطُه، فأغمض عينيه مقاومةً لما يجري، وعندها خفّ الاندفاع حتى كأنما يهبط بمظلّة، وظل يجدّف بذراعيه وهو لا يدري هل سيهوي ويتخبّط في أسلاك الشوارع حتى الصباح أم سوفَ ينجح في الارتفاع؟ ومالَ يسارا بزاوية حادّة، بفعل هواءٍ هبّ من غير تفسير، قال: لعلّ حبيبتي تنتظرني هنا؟ ما أراه أسفلي هو طابور سيّارات أتعب ركابها الزحام فخرجوا واستلقوا في الطريق وبعضهم يبول في مغارس شجر الأرصفة وآخرون يشرئبون بأعناقهم إلى الأمام ليعرفوا ما سبب الازدحام وآخرون يقولون إنّهم مرضى وأن الازدحامَ ينتهي عند بوّابة المستشفى. قال إنّ هذه مشكلة أكبر منه وإنه أحوج إلى نفسه من احتياج العالم إليه، ثم قال: ما هذا الغرور؟ وكأنني أعني شيئا في الوجود؟


**


جاوزَ الزحام في حركة هي ما بين السباحة والركض في الهواء، لأنّ وضعيّة البساط السليمانيّ تخلّت عنه، وهبط هبوطا سهلا، وسأل طبيبا زنجيّا يضع نظارات بدون إطارات ويتجه صوب جهة الفضاء لقضاء حاجة على ما يظهر، قال له: هل هي هنا؟ ورد الطبيب بسؤال:- تعني الدكتورة...؟ ونطق باسمها! يا إلهي! أخيرا وجدتها وسأكون مريضها الذي سيتلقى شفاءه بلعق مسامها الرطبة -هو محروم في حياته الزوجيّة من ملذات اللعق!- وأصبحتِ دكتورة يا عمري! يا لها من فاتحة تصلح أن تكون ديباجة أغنية، وعاود سؤال الزنجيّ: ولكنني كنت أستحمّ استعدادا للقائها، فهل أدخل عليها وأنا محيطٌ خصري بالمنشفة؟ أجابه الأسود:- أنتَ أدرى. قال ولكنّني لست متهندما بما يليق، ما الذي يليق؟ وجعل يردد السؤال فتركه الرجل لحال سبيله ومضى يقضي حاجته بين حجريْن منتصبين على مرمى بصر، وكأن الطبيب أحسّ بما يختلج فيه من أسئلة، فالتفتَ مجيبا عن سؤال مفترض:- أصنع هذا لأنّ المرافق تالفة. وكان أثناء جلوسه عاري القدمين يعدّل نظارتيه على وجهه بيمينه وينظر إلى الأفق أمامه. يا رجلُ! دجاجة بيتك وعصافيرُك ينقضّ عليها طائر أبيض القوادم والذيل ويضربها بمخالبه، ويتبختر في فسحة بيتكَ كصقر.


**


المتقلّب في نومه يتعرّض لمراوغات أناهُ العليا، هزائمه القديمة ونفسه المحاصرة بالذنب -بعد انكشافه متلبّسا به منذ أكثر من عام- تحولُ دونَ أن يفوز بأيّ من مشتهياته ولو في نومه، وفي حلمٍ سابق تعرّضت له فتاةٌ ريّانة، سمراء كأنما تنضح عسلا، بين السمينة والنحيلة، عظامها دقيقة ولحمها إسفنجي، لكن حال بينه وبينها أن قالت له باستكانة:- يمكنني أن أتحمل ولكن الناس حولنا، وقد كانوا محيطين به، وحدّث نفسه بالانصراف بها إلى شقّته مثلا، إلا أنّه خمّن أن زوجته قد تفاجئه أو يلاحظ أحد جيرانه صنيعه. وفي حلم آخر كانت نتاشا الروسية بطلتَهُ فقدَ القدرة على المبادأة برغبته. أما الآن فقد بدا محاط الخصر بمنشفة بيضاء باهتة، عاريَ الجذعِ، يقطرُ الماء من رأسه وعاتقه وعنقه على جسمه، في خطوط متصلة تتجمع عند سرّته كأنها الزئبق، والطبيب الأسمر منشغل عنه بمثانته. وصاح قهرا: آهٍ يا أمي.


**


أجابته:- ماذا تريدُ، كانت واقفة، واقتنص شبهها بزوجته في اللباس: القميص العماني الأحمر الموشّى بخيوط مذهّبة، وتسريحة الشعر الهرميّة نفسها. قالت:- لم تستطع طول عمرك أن تجابه ضعفكَ وتستقيم، ولم تفلح كذلك في الانقياد لهواكَ، لأنّك مذبذب وضعيف. أجابها: أنت متواطئة معها عليّ. ردّت:- أبدا، ولكن تخيّل نفسك وأنت تتوضّأ وتقرأ القرآن، وتتحدث عن الفضيلة مع أقاربك ثم انظر إلى نفسك وأنت تهيم في الدنيا باحثاً عن وسيلة تمكنك من خيانة امرأتك. قال: لم يحدث شيء إلا مرة واحدة، فلماذا تصران على أنهن نساء كثيرات؟ ردت:- لا فرق بين امرأة واحدة وكل نساء الدنيا. قال: قولي لي شيئا آخر لا صلة له بالخيانة. وكأنما تتجاهله قالت:- حقّك أن يُغلى دماغكَ بالنار. قال: ونفسي الطيّبة! وضميري الحيّ؟ قالت:- إذن فتستحقّ أن تكون قدماك في الجنة وعقلك في النار. لم يبدُ عليه أنه فهم، بخاصّة أنها تتفلسف بطريقةٍ جعلته يشكّ أن زوجته لقّنتْها هذا الكلام؛ وما لبث أن تأكد لديه هذا الاحتمال عندما أخذت تضحك مردّدة:- عبد الله، هاه؟ سأكلمك يا عبد الله بعد قليل، هاه؟ قال بتحطم: يا أمي، أنا متأسف جدا لأني أشعر أنك تمثلين دور حماتي! قالت:- أنا مع الواجب وليس مع بطني فقط، ولو كنتَ ابني لما سلكت مسالك عبد قليل الأصل. أجاب: يا ليتني كنتُ عبدا بلا أصل، ويا ليتَ الظلام يعمّ ويطمس الكون فلا يفرق بين الأسود والأبيض، ولو كنت أسود والدنيا سوداء لما احتجت إلى هندام، وستكون جهامة الليل دافعا عاطفيا مضاعفا إلى معانقة حبيبتي بشغف.


**


أجابه رجلان أسودان دفعة واحدة: محمد السوداني: الشاعر المهاجر، وموسى التشادي: الصديق المنفيّ:


- هل تريدُ يا صديقنا أن تشتري لوننا فقط أم لوننا وذاكرتنا معاً؟


رد بدون مواربة:


أشتري كل ما قد يمكنني من معانقة حبيبتي.


قالا:- ستحاصرك أصواتنا وقصصنا.


: أشتري الذاكرة الأليمة والأصوات والمرض، بشرطِ ألا يفتضحَ لوني.


قالا معا:- هل تعني أنك تريد أن تتواطأ السماء مع لونك فتلبسه كل شيء؟


: بل أريد أن أمتزج بالظلمة حتى أختفي وأستتر عمن قد يراني، وتتخيلني كما تحب.


قالا:- أنت تتمنى لها العمى.


: لا على الإطلاق.


قالا:- على كل حال يشفع لك أن الحبّ أعمى، هذا إن كانت تحبك.


: ولكني أصر أن تنعقد الظلمة على الأشياء حتى أتمتع بحريتي.


أجابا:- لك ذلك، ولكننا لا نضمن استمراره.


وسأل: هل يعرف أحدكما الآخر؟!


ردّا:- نحن نعرفك.


**


أحاط به غشاء لزج، ليس كاتما ولكن كما لو أنه في فضاء محدود، وحاول أن يتذكّر كيف كان في رحم أمّه، ثمّ أدرك أن رحمه لا ينتهي بمخرج، بل هو كنسج عنكبوت أو قشر بيضة وقد يتمكن من تمزيقه إن أراد، ولمَ لا يكون ذلك الآن؟ لعلني في رحم أمّ جديدة ومن المحتمل أني دودة في شرنقة، وتقدم خطوة فوجد نفسه في الهواء، وعمّت ظلمة فقد معها التمييز، وقال: هل أصبحتُ الآن أسود؟ أجاباه:- اسأل قلبك.


ودمدمَ محمد السودانيّ:


- يا من تمتدّ في دنياي جسرا من حضور


رحيلك جرح يخترق الوصال


عدي قطرات المحيط عدا


وبساتين الأرض وردا


فهل لها عدٌّ موجود؟


**


وجّه إلى الشاعر سؤالا: أين أنت؟ قال:- في بلدي، وهي كلمة لائقة بعنوان قصيدة. وقال لموسى التشادي: أين أنت؟ فرد:- في لندن، وأتعلم لغة جديدة. قال له: لماذا انقطعتَ عني؟ قال:- أرسلت لك برسالة منذ وقت قريب. قال: لمْ تصلني بعد. وسأله التشادي بدوره:- كيف هو البيت الذي أخرجوني منه؟ قال: لم أذهب إليه بعدك إلا مرة واحدة، وكان بابه ما مسدودا بطاولة قديمة تعلوها نفاية الطريق. وقال للشاعر: كنت أعرف من روح شعرك أنك لن تعود! فأجاب:- حاولت أن أعود، لكن خوفي من عذاب الفراغ عاقني. ثم دمدم:


لا تعتذري فأنتِ كالصبح يوقظنا ولا يعتذر


لا تعتذري فأنتِ كالأنبياء يُرسلون ولا يعتذرون


**


اشتغل بهاجس جديد وكأنما نسيَ أنّه يريد الظفر بحبيبته ليلعق ساقيْها، وفكّر في جلده الجديد ومشاكل وجوده الطارئة، وبعد صمت طويل قال:


-كوني أسود لا يعني أنني عبدٌ أو إنسان بلا أصل.


غنّى السوداني:- منا من آمن وانهزم، ومنا من قضى ومنا من بكى.


وعقّب التشادي:- فكرة جيدة، لكنّك لا تستحق الشكر عليها، لأنك لم تفكر فيها قبل أن تصبح زنجيا.


: لو أن القارات كلها أنتجت السود فلربما ما كنا لنعاني من الاستعباد، المشكلة أننا أبناء قارة واحدة.


غنّى السوداني:- اصطفينا مقاعد أمامية وجلسنا، فقالوا إنها ملك لسادتنا.


وقال التشاديّ:- أنت تهذي يا صاحبي، وبرغم حماسك أعلن مجدّدا أنني لا أشكرك، لأنّ وعيَك مرتبط بمشاكل ذاتك وحدَها.


استأنف: لم أكن أعلم أنّ مجرّد تغير جلدي سيبدل مسار أفكاري.


قال محمد:- استديري نحو الوراء ولا تتحسّري.


**


ونطق موسى بصوت خفيض:- خائن؟


فارتعبَ؛ هل يعرف عما يجري في دهاليز بيتي؟ ضحك موسى المنفيّ واستأنف: امرأتكَ تستحمّ عارية والأعين تتلصص عليها من المناور وهي لا تدري، وعصافيرُك التهمها الطائر البني ذو الذيل الأبيض، وبالأمس رأيتَ في نومِكَ بقراً تُذبح، وبلاطاً يسقط من جدار مطبخك، ورجلاً يشبه بائع العبيد في فيلم كوكب القرود.


سأله: وماذا يعني ذلك؟


ردّ الشاعر:- اسبحي في قاع البحر القريب، واسترقي النظر بشفافية التدقيق.


وقال المنفيّ:- يعني أننا سنهدم لهم مبنى ثالثا، فنتيح لهم الفرصة ليحتلّوا بلداً ثالثا.


تجاهل ما سمعه، وعاد يستفسر:


أتقول إن زوجتي تغتسل والأعين تتلصص عليها؟


قال الشاعر: احترقي كما يحترق الأفيون.


قال موسى:- نعم، وسيارتك مرّ بها صبيّ يتعلم الإنجليزيّة...


أكمل مقاطعا: ورسم عليها شيئا يشبه جملا تتبعه كرة فارغة.


قال موسى:- لا ولكنه أراد أن يكتب كلمة OK.


**


يتضح أن المتقلب في نومه يعاني من عودة مشاكل وأحداث وأشخاص تجاوزهم من قبل، فعقله يستصحب كل ما رآه منذ قليل معه ليتدخل به في مستقبل حلمه متى شاء وكيفما شاء! ولذلك فإنه استأنف يسأل:


وقلتَ إن دجاجتي الرقطاء وعصافيري يعذبُها الآن طائر بني جبان له ذيل أبيض؟


قال محمد: تجمع السحاب وأنجبت الأرض سنابل من ضوء الشمس الأسير.


أجاب موسى: نعم، هو ليس طائرا جارحا، ولكنه استعار مخالب حدأة ليؤذيَك.


دهمه الضيق حتى كاد يصحو، ومال إلى جانب فلمس جذع زوجته النائمة بقربه تستنشق وسادتها، وأحاطها بذراعه وشدّها إليه بقوّة دافع مقاومة الفقد الذي يملأ جوفه، وأنّت المرأة بدلالٍ، وتوقّعت هطول مسرّة قريبة. ولكنه كان مشغولا بمخاطبة الصديق المنفيّ:


هاهيذي بين ذراعيّ، زوجتي، وأنا متحكّم بمقاليد أمرها، ولا أستغني عنها، ولن أدعها لأعين المتلصصين.


رد موسى:- والعصافير، والدجاجة؟


أجاب بحدّة: لا يهمني إلا حبيبتي.


وهنا تغنى الشاعر من داخل جوفه:- سألونا: كيف نسير في هذا الزمن.


: أصبحتما في جوفي، ولذلك تريانِ ما أراه وما لا أراه.


قال موسى:- أتحب زوجتك؟


رد: نعم، بالتأكيد. وازداد ضغطه على خصرها اللدن.


أجاب موسى:- تحتاج إلى أن تشعر بالفقد لتحبّ، وتحتاج إلى الشك لتقلق على حبك، وإلى أن تشعر بالنقص لتقتنع بما لديك.


صمت مليّا، ودار حول محوره مثل حجر رحى، واستمر في دورانه حتى أحس بقوة سلطانه، ثم قال لهما:


استعدا معي لزيارة حبيبتي.


**


علا فوق طبقات الجو، وتدحرج في قناة سماويّة ثم انزلق وكأنه ينسرب في فوهة بلاستيكيّة، وأغمض عينيْه مصرّاً على أن ينتقل إلى حيث أراد. إنه لا يعي أنه خرج من نطاق فراشه وتدحرج في الغرفة ثلاث مرات ملتفّا حول نفسه، ثمّ استقرّ في بقعة في المنتصف، كجثة ملقاة على وجهها.


**


كان يحملهما في داخله، لا يشعر بثقلهما الحسّي، ولكن يدرك أنهما موجودان في زاويتين منفرجتين أسفل رئتيْه، وهبطت به إرادته محدثا دويّا قويّا على سقف سيارة كبيرة، فخرج من فيها ومن حولها من الناس، وعجزوا عن الاطّلاع على آثار هبوط هذا المحلّق الأسوَد، وحبسَهم الظلام المخيّم عن الحركة إلى أي اتجاهٍ فتضاغوْا بألمٍ، وانهالوا باللعائن على خدمات الكهرباء، أما هو فقد قفز كما يقفز الغطاس من قعر مسبح، وارتفع ببطء شبيه بحركة فيلم بطيئة، وهبط في الارتداد الفسيح بين السور وباب قسم المختبرات في المستشفى، إنه يرى كل شيء دون حاجة إلى النور. كان يعرف أين يجب أن تكون مطلوبته بالضبط: في إحدى غرف النقاهة، تقيس حرارة مريض شرق آسيويّ، على كتفها حقيبة صغيرة مطرّزة المقبض بزوائد جلدية ناعمة.


دخل الغرفة فوجد نساءً في حالات إغماء، مضطجعات، كل اثنتين منهن في سرير واحد، وتضع كل واحدة رأسها عند قدمي الأخرى، مستغرقة في نوم عميق، وكلهن ذوات ملامح شرق آسيويّة، لم يجدها -كما هو متوقّع- وسطع ضوء برتقاليّ فانكشف عريُه وسواده الحالك، ونظر إليه الطبيب وحاول أن يعدل منظاره ليرى إن كان ما يراه حقا أم باطلا. وهنا انتشرت فيه قوّة وحش، وبخطوة واحدة امتطى صهوة سرير، ووطأ بطن امرأة نائمة، وقفز منه ليضرب بقبضته المصباح.


**


إنه الآن يسبح في فراغ، يحرث بقدميه البساط ذا المربّعات الخضراء المتقاطعة، وبحثت عنه زوجته بيدها في احتجاج، وفتحتْ عينيْها بكسل فرأته على مبعدة خطوة طويلة من يدها الممدودة، ابتسمت، وقلبت رأسها ثم عادت وغفت. وقال لهما:


لقد خيّبتماني.


جاءه الصوتان من أسافل رئتيه:- قلنا لك إنا لن نضمن شيئا.


: هذا ظلم.


استأنفا:- لن تظفر بشيء ما دمت محاصرا برعبك وذنبك.


: كيف؟


قالا:- عدْ إلى منزلك، وعش حياتَك، وابقَ وفيّا، وستعثر عليها في أحلامك ذات يوم.


: ولكنها تنتظرني الآن في البيت، لتهاجمني بشراسة.


قالا:- عد إلى فسحة المنزل، اغسل وجهك، وادخل بابتسامة، وعبّر عن حبّك.


**


أخذه الحقد رهينة لديه، وصاح بقهر: أنا محروم. قال موسى:- لماذا لا تقتنع بمنفذ الحبّ وحده؟ أجابه: لأنني لا أؤمن بأن لكل عضو وظيفة محددة في الحبّ، كل الأطراف وكل الحواس يجب أن تجوس وتصول وتجول في أي مكان، وحيثما تشاء.


قال محمد:- استعصي على كل ألوان الحرية وتمردي.


وقال موسى:- ألهذا تشتهي لعقَ مسام حبيبتك؟


رد بصراحة: نعم.


سأله مجددا:- ماذا تحب فيها بالضبط؟


أجاب: صوتها وهي تقول أهلا يغريني بالتهامها، وعندما تكون مستيقظة للتو فإن حبالها الصوتيّة تتعثر في أنوثتها قبل أن تصل، وعندما أتكلم تنصت، ثم إنها عرضت عليّ كل ما تملك لتشتيت ضائقتي.


دمدم محمد:- إنك حسناء عندها الحسن مترف.


قال موسى:- وماذا أيضا؟


: وكانت في بعض الأحيان تحنو عليّ كأمّ.


همس موسى:- هذه امرأة كريمة، لا تستحق منك محاولة الاستحواذ عليها أو التفكير في لعقها بلسانك.


بإذعان: أعترف أني لا أستحقّ كرمها، ولذلك لن أعود إلى التربص بها.


تابع موسى:- لكنْ كيف غزت قلبك؟


أجاب: لهذا قصة غريبة: عرفت امرأة قبلها، ولما حاصرتني زوجتي لأعترف باسمها جرى اسم هذه الأخيرة على لساني بدلا من الأولى، وهكذا اكتشفتُ أني وقعت في حبّها!


قال الشاعر:- مرحى، أن نحيا بصدق أو لا نكون.


وقال المنفيّ:- أنت تحترف تغيير المسارات.


: الدين أحلّ أربعاً.


رد عليه قائلا: الدين لا يؤذي ولا يؤذى به.


وقال الشاعر: ولا يخون ولا يخان به.


وشعر برئته اليسرى تضيق كأنما تعتصرها قبضة قوية، وخاطب موسى المنفي قائلا:


اتركني أتنفس.


قال بقسوة: والأولى؟ من أوقعك فيها؟


رد بإذعان: استسلامي، وحرف الجيم والراء في فمها، وذراعها التي تلمع كلؤلؤة، وجلستها على مقاعد الشاطئ كالموناليزا وهي تشرب الكابتشينو بالكريمة.


ازداد ضغط قبضته على الرئة وهو يضيف:- وماذا أيضا؟


: ووشْوَشَتُها، وجريان أنوثتها عندما تكون مستيقظة من النوم.


سألاه:- ما قصتك مع أصوات المستيقظات من النوم؟


أجاب: أسمعها فتتدفق ينابيعي.


**


تخلّى موسى المنفي عن التشبث برئته المضغوطة، ثم جعل يمسح ظاهرها بيده مسحا رفيقاً، وهمس من داخل جوفه:


- عد إلى بيتِك قبل أن تهبّ عاصفة الصيف.


: نحن في موسم الربيع وأنت تتحدث عن الصيف؟


أجابه:- الصيف قادم.


: ظننت أنه جاء منذ شهر، إلا أنّ السحاب تجمع، وأورقت الأشجار الجافّة، وسالت الأودية، وعاد اعتدال الجو، وزرعت الحكومة أزهار الربيع على الأرصفة.


أجابه:- ستنتظر حتى ينقضّ على ربيعك قيظٌ ضرغام، فيتّقد الزجاج، وتركل الجنادب الحصا (وبرز الآن أمامه وهو يربت على رأس الجندب البرتقاليّ الذي اعترضه في بداية رحلته)، وتجفّ فسحة دارك، وعندها ستموت الزهور، وتعجز عن العودة.


: هل تحاول أن تقوم مقام ضميري؟


أجابه:- ربما.


: إن كان أسودَ فلا أمل فيه.


أجابه:- هل رأيت كيف تصبح الفحمة حمراء إذا توقدت.


: ولكنني أريد استعادة لوني!


أجابه:- أغلق عينيك وافتحهما.


: وكيف ذلك؟


أجابه:- لا تسأل عن الكيفيّة، فهي مجهولة.


: ولكن أصبع قدمي تؤلمني، سبابة رجلي اليسرى.


أجابه:- كانت تؤلمك لأنك كنت تمشي، لكنك الآن مثل من يطير أو يسبح.


وقال الشاعر:- حينها تعرف حجم الوطن، حينها لا يعرفك الوهن.


**


إنه الآن أمام مغسلته، وغسل وجهه بماء بارد، وتقطر الماء على صدره وبطنه وعبر من فوق عانته، وسال من فخذيه حتى تخلل أصابعه وتندّى به البلاط، وسقطت على كتفه ذبابة، تركها تسقط وراقبها وهي تجري مع الماء، جذبها تيار الماء إلى فوّهة المصرف الخارجي، فتح الباب ولحق بها وهي تسيل إلى الوادي في مسارب شقها الماء قديماً، وظل يتبعها حتى طمرها الوحل. وهنا هتف موسى من داخله:


- كم كان عمرها؟


: بضعة أيام.


رد عليه:- أكثر بقليل، ولكن ما الفرق.


: مسكينة.


رد المنفيّ:- لكنها لم تنشغل بالمخاوف والمطامع.


وأضاف الشاعر:- ولم تعرف طعم الذنب ولا الهزيمة.


واستأنف موسى:- أنت أقصر منها عمرا.


وأكد محمد:- الكون حدث عابر، لحظة.

**

وفي الغرفة المشغولة بالزوجين، كانَ كلّ ما بلغته أطرافهما مبعثراً، والفراشُ غارق في بركة من العرق وروائح اللعاب، وكأنما تخلفت هذه الفوضى عن معركة حبّ هوجاء، المروحة تتحرّك باعتياد، ومرآة الدولاب تعكس تقلباتهما، برتابة مطمئنّة وغير مباليَة، ومربّعات السجاد القاسية تترك آثارها منطبعة على خدّ الرجل الخامد في رقدته، بعيدا عن مضجعه مسافة ذراعيْن.

**

تمت

Thursday, September 22, 2005

ملف الشعر الهولندي.........ترجمة مهدي النفري


ملف الشعر الهولندي
ترجمة مهدي النِّفَري(1)

Hans Andreus
ألقصيده الأولى
البحث عن كلمة لنا أصبح صعبا
كل الكلمات ألقديمه ماعادت تنفع
وما اكتبه لايتعدى محاولة اللحاق بالبدء
الصفحات تحترق في الكتب
الخوف يمتلكني كالآخرين
أن افعل مثلهم
وأُردِد
نحن هنا
هنا
أتعبني التكرار
جسدي فقد الشعور بالألم
ماعدتُ وجسدي متوافقين
لاحدود تجمعنا
لكني أود القول
بأنني لستُ كالآخرين
هكذا أحادثُ نفسي
هذا أنا
قطعة نار
من هذه الأرض
شمس
وفضاء
كل ذاك ....هو أنا
مع كل تلك الحماقه
لااملك الشجاعة بإخبار الأخر
لااملك الشجاعة بأخبارهم بان الحب والسعادة
تزيدهم حظا
أيها الناس
ماعدت احتمل أن تَعِدُوني بينكم
..............................................
ألقصيده ألثانيه
إلى نهار الغد
قبل نهار الغد
إذا حضر موتي
أخبر ألأشجار
كم من الحب أكنهُ لكِ
أخبر الريح
تلك التي تسلقت الأشجار
أو تلك التي سقطت من ألأغصان
كم من الحب أكنه لك
اخبر الطفل
فهو يفهم مايكفي
اخبر الحيوان
تكفي نظراته
اخبر البيوت والحجر
اخبر ألمدينه
اخبرهم
كم من الحب أكنه لك
لكن
لكن لاتقولها لإنسان
سوف لن يصدقك
سوف لن يصدق أحدا إن هناك رجل لأمراه واحده
سوف لن يصدقوا كم من الحب أكنه لك
......................
ولد الشاعر في امستردام1926 .كتب الشعر والقصة والمقالات الصحفية ومارس أيضا ألكتابه للأطفال
تنقل بين أمستردام وروما وباريس.من مؤلفاته
Muziek voor kijkdieren (1951)
De ronde kant van de aarde (gedichten bij tekeningen van Karel Appel) (1952)
Italië (tekeningen van Lucebert) (1952)
De taal der dieren (1953)
Schilderkunst (1954)
Het explosieve uur (1955)
Empedocles de Ander (prozagedicht) (1955)
Tweespraak (met Simon Vinkenoog) (1956)
Misschien (1956)
Variaties op een afscheid (1956)
وكتب الأطفال منها
De reis van Langbaard de Twaalfde (1956)
Stel je voor (1957)
De kikado (1958)
En toen... (1960)
Tjirp de krekel (1961)
Het grote boek vol dierenverhalen (1962)
Henry de filmhond (1963)
Kinderverhalen (1963)
Viermaal J en Janus (kinderboekenweekgschenk 1963)
De verhalen van meester Pompelmoes (later uitgegeven als 'Meester Pompelmoes en de geleerde kat') (1964)
توفي الشاعر عام 1977
.........................
Paul snoek
قصر من الهواء
رغبتي
أن أتغير
في صخره ....
نمله
أو نبتة خشخاش
كلمات الخالق
أصبحت قصرا من الهواء
رغبتي
أن أقص السقف وألفه بالورق
أن اطوي الغرفة
بصحف رطبه
أن أضع على الحيطان أغلفة موسيقى
بوجوه مضحكه
النوافذ اصبغها
بمعدن من حبر
داخل مفتاحي سوف يسكن الحمام والفضة ألقديمه
قبل أن أتغير
في حجره
حيوان
أو عقرب ساعة
كلمات الخالق
أصبحت قصرا من الهواء
لأني حاضرا بين يدان طريتان من
مُكتْشِف

..................
ألقصيده الثانية
جورجيا
كل مالم استطع
من العالم
نسيانه
تركته بين يدي البحر
لون القتلى في الحروب
كل معدات الكره
البحر الأسود
ليس جريحا اسود اللون
لكن صمت ماءه
مازال يترك وبقوه زينته
بين يدي المساء
غنت الريح
أغاني جامعي محصول الشاي
إن النهار يستجدي السعادة
إن حيوان الأرض المقدس
يُرفضُ أن يذبح
وإن قوة الإنسان بذرة طفل من السلام
..........................
ولد الشاعر عام 1933
اصدر دواوين ودراسات عديده اخترنا منها
Archipel (1954)
Noodbrug (1955)
Tussen vel en vlees (1956)
Aardrijkskunde. Antropografische suite voor naïeve meisjes (1956)
Ik rook een vredespijp (1957)
De heilige gedichten 1956-1958 (1959)
Hercules (1960)
Richelieu (1961)
Soldatenbrieven (proza en poëzie in briefvorm, met H.C. Pernath) (1961)
Renaissance (keuze uit eigen werk) (1963)
Nostradamus (1963)
De zwarte muze (1967)
Gedichten 1954-1968 (1969)
Gedrichten. Gedokumenteerde aktualiteitspoëzie en/of alternatieve griezelgedichten (1971)
Gedichten voor Maria Magdalena (1971)
توفي الشاعر عام1981
........................................
1.مهدي ألنفري
شاعر عراقي يقيم في هولندا

Monday, September 05, 2005

نبي التشكيل العربي...........الكاتب عبدالواحد الانصاري



طفق مهنّا يكتب: "دخلت وأنا جائع، وخرجت شبعانَ، أشرقت الشمس على طفل وليد وغربت على أناسٍ يدفنون ميّتاً، ناموا ليلا، واستيقظوا فنام آخرون، في الروث رائحة من البخور وفي البخور نفثة من الروث، وأنا الآن غيري أمس، وبرغم ذلك قد أتكرر بلا نهاية".
نظر إلى ما كتبه وأحسّ بالرضا لكنه لم يملك الشجاعة ليغلّفه ويرسله إلى الجريدة، وانخرط في متاهة من استبدال المشاهد والألفاظ بعضَها ببعض، فبدلا من الشبعان أدخل الحب والكراهية، وبدلا من الروث جاء برائحة التفاح. ومضى يغيّر ويمسح ويكتب ثم يعدل ويمسح ويكتب، إلى أنْ نسيَ الفكرة الأساسيّة التي فتح لها قوس الموضوع، وأضنته محاولة التذكر فترك ما في يده وهم بإطفاء الأنوار لينام، فقد كان الوقت سحَراً، وعندها طُرِق الباب. وفتحه، فتقدمَ من الظلمة رجل له هندام حارس أمن، أسمر، وله جبهة لمّاعة، وكلماته محصورة في الأوامر كما سترون:
- تنحّ عن طريقي، وخّر.
وعبر حارس الأمن إلى رواق العمارة الذي نحتت فيه شقق العزّاب عن اليمين والشمال، وانتشرت فيه روائح البول الملبّد، حاول مهنّا أن يهرب، ولكن قوة الرجل طاغية، وتصرفاته مخيفة، وتنبئ عن ذاتٍ مسيطرة، اتّجه بلا تردد إلى أوراق مهنّا وكأنما هو مطلع على الغيب، رفعها أمامه لحظة ثم ألقى بها على الطاولة في استهتار، وسطت يده على دورق الماء فشرب ما فيه بعدوانيّة، وألقى به على الأرض فتهشّم، ثم عقد يديه أعلى صدره، وتسلسلت بعد ذلك الأوامر التي غيّرت المسار الفني لمهنّا؛ قال الحارس بحزم: - سأعود إليك غدا في هذا الوقت، أحضر قلم رصاص وتلاوين مائية وزيتيّة ونماذج للوحات رسم.
أغلق مهنّا الباب ورتّب ما تبعثر وتخلص مما تهشّم، ووفى الحارس بوعيده فجاء غداً في وقت السحَر، شمّر عن ساعديْه وضرب جبهة مهنّا براحته، وأمره برسم ما كتبه على أوراق الرسم، وأراد مهنّا أن يرسم أشكالا فضربه الرجل الأسمر مرّة أخرى، واستمرّ يحاول الرسم وفي كل مرّة توجّه له في جبهته ضربة مؤلمة، وينظر في عيني الحارس وفي جبهته فلا يرى إلا لمعانَ الحزم وسياط الوعيد. حدّد له موعدا يوميّاً صارما لا يتقدم ولا يتأخر عن وقت السحَر، يحاول فيه الرسم ويُضرَبُ في رأسه كضرب العبيد، وصار بعد ذلك يعرف الموعد المحدد ويسمع الخطو على بلاط الممشى والحذاء الأسود اللامع يضرب الأرض بقسوة، فيفتح الباب قبل أن تمسّه أصابعه، وقلّما تخلّف عن ذلك. وأخيرا وضع يده على أسلوب جديد في الرسم: يكتب القصّة مشتتة كما تجيء، ثم يحوّل كلماتها إلى أرقام أبجدية بهذا الأسلوب الخاص: أبجد = 10، هوز= 18، وهنا كفّ حارس الأمن عن ضربه، وصار يدندن ويحرك قدمه طربا، وتولّى إعداد الشاي بنفسه وتأليف النكات والطُّرف لتلميذه المجدّ. هذا الاستحسان أصاب مهنّا بعدوى الحماسة، فابتكر لنفسه أوضاعا واثقة وصار يرسم ما يريد كتابته بالأرقام الأبجديّة، ويكبر الخط ويصغره ويلوّنه بحسب صبغة الكلمة، ويجري عمليات حسابيّة غير مضبوطة، ويسجل النتائج أفقية أو رأسيّة أو مائلة، بالطريقة التي يمليها عليه شعوره بجرم الكلمة ومعناها والعاطفة التي تنبثق منها، ثم تحوّلت الأرقام بعد ذلك في ذهنه إلى ذاكرة بديلة للحروف، وتصرّم شهر كامل من الإشراف المستمرّ أنفق فيه مهنّا مرتبه على اللوحات والألوان، وشعّت فيه غرفته بروائح الموادّ المستخدمة، واسودّت رؤوس أصابعه، إلا أن هذه الفترة أكسبته حبا جما لما كان يجبره عليه الخوف في بداياته، وعرف طعم الأمان والرضا والمفهوم الحقيقي للنشوة، وانبجست من دماغه ترانيم وتعبيرات رقميّة ما كانت تخطر له ببال، وما كان هو نفسه ليصدق أن دماغه الكليل سيتفتق عنها، وذات مرّة طلع الفجر وأشرقت الشمس بعده ولم يأتِ حارس الأمن؛ وحاول مهنّا أن يتخلص من بوادر الإحباط المحدقة به فانهمك في تجربته، وأرسل منها نماذج إلى الصحيفة، فتبنّتها بالقبول، وتفشّى صيتها كريح عاتية، ولم تمضِ أشهرٌ إلا وشهرتها تضرب القلاع النائمة وتهدمها. ونسي مهنّا كل معاناته وكل ماضيه البئيس، أقيمت له معارض داخلية وأخرى في العالم العربي ثم في روما وباريس ونيويورك، وأحرز سبقا مرموقاً لم يحققه عربيّ قطّ، وذكر اسمه في كل الصحف ومحطات التلفزة، بمناسبة وبلا مناسبة. وتسأله المذيعات وعارضات الأزياء وعمالقة الدنيا عن السرّ في إبداعه فيجيب بتثاقلٍ سخيّ:
- السر يكمن في الحظ، أنا امرؤ محظوظ فقط.
وإذا أراد أصدقاؤه الجدد أن يتصنعوا الضحك سألوه:
- من أين تعلمت أسلوبك.
فيجيبهم هذه المرّة بتفكّه:
-تعلمته من حارس أمن أسمر، يلف على وسطه حزاما ثقيلا، ويصفعني ليلَ نهارَ كي أتعلم.
كان مطمئنّا إلى اعترافاته لأن كلماتها لم تكن سوى مثارٍ للتقليد والتندّر، ولم تؤخذ بجدّيةٍ قطّ، ولطالما استدل بها المتزلفون وأرباع المثقفين ليبرهنوا على تواضع العبقرية وعبقريّة التواضع. تهاطلت العزائم الثقافية على رأس مهنّا حتى أثقلته، ودُعيَ إلى حفلات خاصة ورحلات سياحية في جزر آسيا الاستوائيّة، ووطأ بقدمه المواطئ التي وطأها مجانين الفنّ؛ فشرب مثل موديلياني ونكح مثل غوغان وتاجر مثل بيكاسو وهرطق مثل كل ملاعين الفنّ وأطلق عليه لقب نبي التشكيل العربي. وبينما هو يقضي قيلولته -على بعد مترين من المسبح في أحد فنادق أوربّا، وظهره ملموم في منشفة زهرية، وهو يستنشق الهواء النديّ مغمض العينين، ويتمتّع بذكريات متع البارحة- سمع خطوات بطيئة لا تخطئها ذاكرته، فتح عينيه والتفت فأبصر الحذاء الأسود اللامع يضرب البلاط الفاخر، والسترة السوداء تحيط بجذعه عوضا عن زي الحراسة، حاول مهنا أن ينهض ويضع شبشبه في قدميه ليستقبل الأستاذ (هكذا كان يسميه)، إلا أنّ انفعاله أصابه بتشنّج طفيف، وتصلبت عضلة فخذه. اقترب الأستاذ باسما، وأبدى لطفا كبيرا وهو يمس كتف مهنّا برفق، ثم نطق:
- جاءت بك أرقامي الأبجديّة إلى سقف العالم ورمتني في الشارع، منحتك الأسلوب والثقة والأمان، ولم أمنح نفسي شيئاً.
شحب مهنّا لهذا التداعي الذي يشبه الملامة، وكاد يقضي خوفا، لأنه يعرف حقيقة القدرات الهائلة التي يتمتع بها حارسه القديم، لكنّ الأستاذ واصلَ ملاطفته للكتف وأضاف بسحنة كامدة:
- هوّن عليك، لا تستعجل، جئتك لترد إليّ الجميل.
أفرخ روع مهنّا، وتحررت عضلاته، وانصرمت المفاهمة عن اتفاق يسير: دفعة مقدمّة للأستاذ، شاملة لتذكرة العودة، ونسبة خمسة في المائة من كل لوحة يبيعها مهنّا في المستقبل، مع تحمل تكلفة التأمين الصحي السنويّ لحضرته.

Friday, July 15, 2005

اشياء للذباب فقط ..........مهدي النفري


يابني ادم
نحن كائنات نحمل ماتحملون
نحلم كما تحلمون
الفرق الوحيد بيننا
انكم ميتون
بينما نحن احياء

Monday, July 11, 2005

اشياء لاتهم الموتى..........مهدي النفري


أشياء لاتهم إلا الموتى
أشياء وأخرى تمر بي
تلسعني كيومي الماضي دون رجعه
نوافذ اتبع ظلها
يداهمني ورق متطاير يستغيث من نكبة الذباب
أشياء اتلوها وأخرى
أضمد بها نسياني
اشطب تواريخ اصدقاءي الموتى
هل يموت الأموات؟
هلا اشتهت السماء لونا آخر لها؟
نستيقظ مع صباحات ليس لنا فيها سوى الرماد
ونمض
نطرق أبوابا لاتتسع لغير الريح
هل من مأوى للجالس داخلي؟
هل من خطيئة اقترفها تعيدني إلى ألجنه؟
اشياء وأخرى
اصطحبها معي
وأعود لأبدا ألدوره من جديد
..........................
مهدي ألنفري


Sunday, July 10, 2005


ايها الحلم
ايها العاشق
الجالس بين ضفتي عينيك
ايتها المدن الكبيرة بفراشاتها
حان لنا جميعا ان نتعلم الطيران داخلنا
ان نكتب قصائد تشتهي السلام

Monday, June 27, 2005

رسائل إلى الوطن ............مهدي النفري


رساله إلى الوطن
لعلي لن اضيف جديدا لك
بهذه الكلمات التي ساتجنب بها كل الفلسفات
فليس بين الحبيب وحبيبه سوى الحب
لن اطرق باب الشعر فانت اكبر من كل القصائد والدووايين
ايها الوطن
يامساحة حلمنا الكبيره
ايها الروح التي تمنحنا دوام الحياة
ايها الام التي لاتهدا ولاتمل من حب ابنائها
ايها الوطن
جئتك اليوم
شاكيا لك غربتي التي طالت
شاكيا لك الايام وكاهلها
ايها الوطن
هل يرد الحبيب محبوبه خائبا؟
ام هل يعود فارغا من طرق باب من ارضعته؟
ايها الوطن
اعطني الامل
مد يدك لي
آن الآوان لتقول لي عد
ايها الوطن

Sunday, June 26, 2005

الى ولدي سامي


عيد ميلاد سعيد ومبارك ايها العزيز
26-6-05

الشعر الياباني ..........ترجمة مهدي النفري


نماذج من الشعر الياباني*
ترجمة مهدي النفري**
...........................

الشاعر
Tamura Ryuuichi

العودة

كان علي ان لا اتعلم
الكلمات
رغبة تجتاحني
ان اسكن عالم
بدون كلمات
حيث
لا وجود
ذلك....يعني
وهذا....يعني
وتلك....تعني
الدموع في عينيك
ألم
نابع
من صمت
لسانك
لو كان العالم
بدون كلمات
لكان البصر
وحده يكفيني
دموعك
تعني لي الكثير
كالنواة في الثمرة

كان علي
ان لا اتعلم
الكلمات
ومع كل ما تعلمته
من لغات اخرى
بقيت
صامتا
امام دموعك
اعيد الكرة
الى نفسي
***************
الخط الرفيع
دائما لوحدك
تحاول ان تتستر
على دموعك
مسحة الحزن
دائمة الحضور
لذلك احب عينيك
لطيفك الاعمى
هل هذا العالم مناطق مكشوفة للصيد؟
انت صياد عنيد
تتسابق
وراء قلب واحد
لا تؤمن بالكلمات
اقدامك تترك
اثار قلوب
موتى وراءك
اتوق
ان اخرج من الخوف
لذلك تجد الضياع
يمتلكني
مسيرتك على الخيط
الرفيع
حتى في الثلج
حيث تتجمد الدماء
لن تحجب قلبي عنك
حتى لو كنت
في مسافات بعيدة
المحك
بينما انت
تسحبين الجرار
اموت انا في كلماتي

ولد الشاعر في طوكيو عام 1923
اصدر عدة دواوين منها:
1- قصائد الصادر عام 1968
2- قصائد من هذا الوقت
3- قصائد جديدة الصادر عام
1977.
.................

الشاعر
Shiraishi kazuko

الشارع
شارع مظلم
حي فقير
مطر
البرد حل قبل اوانه
ارتديت معطفي
مظلتي السوداء....عاليا
لوحنا لسيارات الاجرة
بدون فائدة
كان علينا ان نتخذ قرارا
جنبا الى جنب
قررنا المشي
كنت اسال داخلي
ماذا سيحمل لنا المستقبل؟
المطر يسقط بغزرارة
كل شيء فينا
طاله المطر
لجانا الى فندق
في غرفة الفندق
دفئنا اجسادنا مع بعض
في الصباح
حين استيقظت لم اتذكر
شيئا
هل هو الحب؟
ام هي اعماله؟
..........
الجدول
اقول يجب عليك الرحيل
لا اريدك ان تكون معي
بعد هذا المساء
عليك الرحيل
دعني من نحيبك
ليس لدي مكان
لتعود اليه
ارسم لوحة
لوحة اخرى
اتعقب فيها اثره
بقايا نحيبه
هل اختفى من قلبي؟
دموعك التي كانت تشدني
في كل الاماكن
تذكرني بالجدول الصغير
الذي يمر بقريتنا
كم كانت ثقيلة
كانت تثقل قلبي
لذلك تجدني الليلة
احاول ان انام
رغم مايحمله قلبي
من ثقل
..................
ولد الشاعر عام 1931في مدينة فان كوفر (كندا)
صدر للشاعر عدة دواوين منها(قصائد مختارة)
الصادر عام 1969

* ترجمت القصائد عن الهولندية من كتابZeven moderne Japanse dichters، الصادر من دار النشر، Meulenhoff، Amsterdam، عام 1980.

** شاعر عراقي مقيم في هولندا.

Saturday, May 28, 2005

هكذا تكلم زرادشت ...ترجمة علي مصباح

عن الالمانية علي مصباح
ثلاثة فصول من كتاب "هكذا تكلم زرادشت" لفريدريش نيتشة

إهداء: إلى الشاعر علي الدميني أولا،
وإلى النعامة العربية سيدة الحكمة والمراوغة ثانيا.

نيتشه


عن مشاهير الحكماء


الشعبَ وخرافات الشعب خدمتم، يا مشاهير الحكماء، جميعكم !- وليس الحقيقة ! ولهذا بالذات غمركم الناس بآيات الإجلال .
ولذلك أيضا تحمّل الناس عدم إيمانكم، لأنه كان مجرد دعابة ومسلكا ملتويا باتجاه الشعب. كذا يفعل السيد وهو يغض الطرف عن عبيده ويتسلى أيضا بمرحهم العابث.
لكن الذي يكون مكروها من الشعب كالذئب لدى الكلاب: هو العقل الحر، عدوّ القيود ، المُدبر عن العبادة، الساكن في الأدغال.
مطاردته و إجلاؤه عن مخدعه ؛ ذلك ما يعني لدى الشعب "حسّا بالعدالة ": وضده يستثير كلابه الأكثر شراسة .
"ذلك أنه هنا تكون الحقيقة: إذا ما كان الشعب هنا! و ويل، ويل للسالك دروب البحث !" هكذا ظل يُعلن على الملأ منذ القدم .
أردتم إقرار الصواب لشعبكم في عبادته؛ وسمّيتم ذلك "إرادة الحقيقة"، يامعشر مشاهير الحكماء!
وكان قلبكم يحدّث نفسه على الدوام: "من الشعب أتيتُ؛ ومن هناك أيضا أتاني صوت الله ".
مثابرين ودهاة على غرار الحمار كنتم دوما في دفاعكم عن الشعب .
والبعض من ذوي الجاه ممن كان يروم السير سيرة المحنّك مع الشعب قد شدّ إلى مقدمة جياده أيضا حمارا: واحدًا من مشاهير الحكماء .
والآن، أردت لو تلقوا عنكم أخيرا جلد الأسد كليًّا يا معشر مشاهير الحكماء!
جلد الحيوان المفترس، الجلد المزوّق وفروة المستطلع ،الباحث، الغازي !
سيكون عليكم أن تحطموا إرادة العبادة التي في أنفسكم أوّلاً، كيما أتعلم الاعتقاد في "صدقكم".
صادق – كذا أسمّي ذلك الذي يمضي في صحاري لا آلهة فيها وقد حطّم قلبه المتعبّد.
تائها في الرمال الصفراء و ملفوحا بلهب الشمس قد يرنو بعينه ظمِئًا إلى جزر ملئية ينابيع حيث يستلقي الأحياء تحت أشجار ظليلة .
لكن ظمأه لن يقنعه بأن يغدو شبيها بهؤلاء المستلقين في الرفاه : ذلك أنه حيثما توجد واحات تكون هناك أيضا أصنام وتماثيل آلهة .
جائعةً ، عنيفةً ، وحيدةً ، وكافرةً : كذا تريد إرادة الأسد لنفسها أن تكون .
منعتقةً من سعادة العبيد، مخلَّصةً من الآلهة والعبادات، مخيفة لا تعرف الخوف، عظيمة و وحيدة: كذا هي إرادة صديق الحقيقة .
في الصحراء كان يقيم منذ الأزل أصدقاء الحقيقة، العقول الحرة، أسيادا على الصحراء ؛ لكن في المدن يقيم المتخمون علفا ؛ مشاهير الحكماء – دوابّ الحمل.
وعلى الدوام يدبّون فعلا كالحمير- يجرّون عربة الشعب!
كلا، لستُ بالحانق عليهم من أجل ذلك : لكنهم خدماً يظلّون بالنسبة لي ودوابّاً مسرّجة ، حتى وإن بدوا ملتمعين بسروج من ذهب .
وغالبا ما كانوا خدما جيّدين وجديرين بالإطراء. إذ هكذا تتكلم الفضيلة : " إذا ما كان عليك أن تكون خادما، فلتبحث لك عن ذلك الذي يستفيد من خدمتك على أفضل وجه !
وليكن لسيّدك كسب في مزيد عقل وفضيلة، لأنك أنت الذي تخدمه: هكذا تترعرعون بدورك مع نمو عقله وفضيلته !" الحقَّ أقول لكم يا معشر الحكماء، يا خادمي الشعب! لقد ترعرعتم أنتم أيضا على عقل الشعب وفضيلته –والشعب كذلك من خلالكم! إكراما لكم أقول هذا !
لكنكم تظلون شعبا في نظري حتى في فضيلتكم، شعب بأعين بليدة ،-شعب لا يفقه معنى العقل!
العقل هو الحياة التي تجترح نفسها في الحياة ؛ وفي المعاناة الخاصة تنمو المعرفة الخاصة،- هل علمتم بهذا الأمر من قبل؟
وإن سعادة العقل هي هذه: أن يكون مضمّخا بالدهن ومعمّدا بالدموع من أجل أن يكون أضحية،
- هل علمتم بهذا الأمر من قبل ؟
وإنّ عماء الأعمى وبحثه وتلمّسه ليست سوى الدليل الشاهد على قوّة وسلطان الشمس التي يحدّق فيها ،- هل علمتم بهذا الأمر من قبل؟
بالجبال ينبغي على مريد المعرفة أن يتعلّم البناء ! وإنه لشيء قليل أن يكون العقل قادرا على زحزحة الجبال،- هل علمتم بهذا الأمر من قبل ؟
إنكم لا تعرفون من العقل سوى شرارته، لكنكم لا ترون أي سندان هو، ولا قسوة مطرقته !
الحق أقول لكم، إنكم لا تعرفون كبرياء العقل! وأقلّ من ذلك ستكون قدرتكم على تحمّل تواضع العقل إذا ما عنّ لذلك التواضع أن يتكلم في يوم ما !
أبدا لن تجرؤوا على القذف بعقلكم في حفرة جليد: فليس لكم ما يكفي من الحرارة من أجل ذلك! وهكذا فأنتم لا تعرفون أيضا نشوة برده .
لكنكم وفي كل أمر تبدون في هيأة الخبير جدا بأمور العقل؛ ومن الحكمة جعلتم مأوى فقراء ومصحّة للشعراء الرديئين .
لستم صقورا؛ وهكذا لم يكن لكم أن تخبروا السعادة التي في رعب العقل. ومن لم يكن طائرا لا يحق له أن يبني عشه فوق الهوى السحيقة .
فاترون أنتم في نظري: لكن بردا قارسا تتدفق كل معرفة عميقة. شديدة البرد هي الينابيع العميقة للعقل: طراوة منعشة بالنسبة للأيادي الحارّة وللفاعلين.
محترَمين أراكم تقفون أمامي، بهيآت متصلبة وظهور كالأعمدة، يا معشر مشاهير الحكماء ! –لا تدفعكم ريح قوية وإرادة عاتية.
ألم تروا قط شراعا يمضي فوق البحر منتفخا متقوّسا ومرتعشا بالعصف الشديد للريح ؟
كما الشراع، مرتعشا بالعصف الشديد للعقل تمضي حكمتي فوق البحر –حكمتي المتوحّشة !
أما أنتم يا خَدَمة الشعب، ويا مشاهير الحكماء – من أين لكم أن تمضوا معي !-

هكذا تكلم زرادشت .


عن طريق المبدع

أتريد أن تمضي إلى الوحدة يا أخي؟ أتريد أن تبحث عن الطريق إلى نفسك ؟ تمهّل قليلا إذن واصغ إليّ .
" إنّ من يبحث يمضي بدوره إلى الضياع بسهولة. وكلّ اعتزال خطيئة ": هكذا يتكلّم القطيع . ولوقت طويل كنتَ مع القطيع .
سيظل صوت القطيع يرنّ في داخلك. وعندما ستقول : " لم يعد لي من ضمير مشترك معكم"، سيكون ذلك شكوى ووجعا .
أنظر، ذلك الوجع ذاته إنما ولّده ذاك الضمير : وآخر بصيص من ذلك الضمير ما يزال يشتعل فوق لوعتك .
لكنك تريد المضي على درب لوعتك الذي هو دربك إلى ذاتك ؟ أرني إذن إن كنت حقيقاً بذلك وذا طاقة عليه !
هل أنت طاقة جديدة وحقّ جديد ؟ حركة أولى ؟ دولاب يدفع نفسه بنفسه؟ سيكون بإمكانك إذن أن ترغم النجوم على الدوران حولك.
آه ، لكم هناك من طمع متلهف على الأعالي ! وهناك الكثير من صراعات الطموحين ! أرني أنك لست واحدا من الطماعين والطموحين !
آه، كم هناك من الأفكار الكبيرة التي لا تعدو كونها محاكاة لفعل للفقاقيع : تنتفخ لتزيد من من فراغ الفراغ .
حرّا تسمّي نفسك ؟ أريد إذن أن أستمع إلى فكرتك المسيطِرة، لا إلى كونك تخلّصت من نير.
هل أنت واحد ممن حقّ لهم أن يتخلّصوا من نير؟ هناك من رمى بآخر قيمة له عندما رمى بآخر أواصر عبوديته.
حرّ من ماذا؟ ما همّ زرادشت في هذا ؟ بل لتقل لي نظرتُك بوضوح : من أجل ماذا ؟
هل تستطيع أن تمنح نفسك خيرَك وشرَّك وأن تعلّق إرادتك مثل قانون فوقك؟ هل تستطيع أن تكون قاضي نفسك والمقتصّ لقانونك ؟
فظيع أن تكون على انفراد مع قاضي قانونك الخاصّ والمقتصّ له . نجم يُقذف به هكذا في فضاءٍ خلاءٍ وفي الوهج الجليدي للوحدة .
إلى اليوم مازلت تعاني من أولئك الكثيرين، أنت الواحد : إلى اليوم ماتزال شجاعتك كاملة وكذلك آمالك .
لكن سيأتي يوم تتعب فيه من وحدتك، في يوم ما ستنثني كبرياؤك وستصرّ دواليب شجاعتك. في يوم ما ستصرخ: "إنني وحيد !"
في يوم ما لن تستطيع أن ترى علوّك، وتكون وضاعتك ملاصقة لك؛ مقدّسك ذاته سيغدو مثل شبح مرعب بالنسبة لك. و ستصرخ ذات يوم : "الكلّ باطل !"
هناك أحاسيس تريد قتل المتوحّد؛ وإذا ما لم تفلح في ذلك فإنه سيكون عليها هي إذن أن تموت! هل أنت قادر على أن تكون قاتلا ؟
هل تعرف كلمة "احتقار" يا أخي ؟ وعذاب عدالتك في إنصاف أولئك الذين يحتقرونك ؟
إنك ترغم الكثيرين على مراجعة معرفتهم بك؛ ذاك هو ما يحاسبونك عليه حسابا عسيرا. لقد اقتربت منهم لكنك مضيت في طريقك؛ ذلك ما لن يغفروه لك أبدًا .
إنك تقفز من فوقهم : لكن كلما ازددت ارتفاعا إلا وتراءيت صغيرا في أعين حسّادك. غير أنّ الذي يحلق طائرا هو من تنصبّ عليه نقمتهم غالبا.
"كيف تريدون أن تكونوا عادلين تجاهي!" –كذا ينبغي عليك أن تتكلم- "إنني أختار لنفسي ظلمكم كنصيب مستحقّ ."
ظلما وقذارات يقذفون على رأس المتوحّد : لكن إذا ما أردت أن تكون نجما فلا يمنعنّك ذلك من أن تضيئهم !
ولتحذر الخيّرين والعادلين! فلا شيء يحلو لهم مثل صلب أولئك الذين يبتدعون فضائلهم الخاصّة – إنهم يحقدون على المتوحّد .
ولتحذر أيضا السذاجة المقدّسة ! فكلّ ما ليس ساذجا مدنّسٌ في نظرها ؛ وإنه ليحلو لها أيضا أن تلعب بالنار- نار المحرقة .
ولتحذر أيضا اندفاعات محبّتك ! إنّ المتوحّد متسرع في مدّ يده لكلّ من يعترضه.
بعض الناس لا يحقّ لك أن تمدّ إليهم يدك، بل كفّ السّبع: وأريد أن تكون لكفّك مخالب أيضًا.
لكنّ أشرس الأعداء ممن يمكن أن تلتقي ستكون ذاتُك دوما؛ أنت الذي تتربّص بنفسك داخل الكهوف والغابات .
وحيدا تمضي على طريقك إلى نفسك! عبرك أنت ذاتك وعبر شياطينك السبع تمرّ طريقك!
زنديقا ستكون في عين نفسك وساحرا وعرّافا ومهرّجا وومشكّكا ومدنَّسا وشرّيرا. ستريد أن تحرق نفسك في لهبك الخاصّ : كيف يمكنك أن تغدو جديدًا إن لم تتحوّل أولا إلى رماد!
وحيدا تمضي على طريق المبدع : إلَهًا تريد أن تصنع لنفسك من شياطينك السبع !
وحيدا تمضي على طريق المحبّ : نفسَك تحبّ، ولذلك تحتقر نفسَك كما لا يمكن إلاّ لمحبّ أن يحتقر.
خلقًا يريد المحبّ لأنه يحتقر ! ماذا يعرف عن الحبّ ذلك الذي لم يكن عليه أن يحتقر بالذات من يحبّ !
لتمض بحبّك إلى عزلتك، وبإبداعك يا أخي؛ بعدها ستتبعك العدالة مجرجرة رجلها العرجاء من ورائك.
لتمض برفقة دموعي إلى عزلتك يا أخي. إنني أحبّ ذاك الذي يريد أن يبدع ما يفوق منزلته ويمضي هكذا إلى حتفه .-

هكذا تكلّم زرادشت.

أغنية الليل*

إنّه الليل : هي ذي الينابيع الفيّاضة ترفع صوتها في حديث مسموع . وروحي
هي أيضًا نبع فيّاض.
إنّه الليل : هي ذي أغاني المحبّين تستيقظ الآن . وروحي هي أيضًا
أغنية محبّ.
شيء في داخلي لم يُسكَّن ولا شيء يسكّنه يريد أن يرفع صوته . ظمأ إلى
الحبّ يسكنني، يتكلّم هو أيضًا لغة الحبّ .
نور أنا : آه ليتني كنت ليلاً ! لكن تلك هي وحدتي، أن أكون متمنطقًا بحزام
من نور.
آه، لو كنتُ قاتمًا وليليًّا، لكم كنت سأكرع من ثدي النّور!
وأنتِ أيضًا أيّتها الكواكب الصغيرة الملتمعة وحباحب السماء البرّاقة ، لكم كنت
أودّ لو أنّي أباركك -و أنعم بسعدة نيْل هبتك الضوئيّة .
لكنّني أحيا داخل نوري الخاصّ، وأمتصّ ألسنة اللهب الطالعة منّي .
لا أعرف سعادة المتناولين، وغالبا ما حلمت بأنّ السرقة لا بدّ أن تكون أكثر متعة من
الأخذ .
تلك هي فاقتي: أن لا تكفّ يداي أبدًا عن العطاء، وذلك هو حسدي: أن أرى عيونًا ملؤها الانتظار ولياليَ يضيؤها الشوق .
يا لَشقاء كلّ المانحين ! يا لكسوف شمسي ! يا للرغبة المتعطّشة إلى الرغبة
في شيء ما ! يا للجوع الحارق الذي في الشبع !
إنّهم يتناولون من يدي؛ لكن ترى هل ألمس روحهم ؟ ما بين الأخذ والعطاء هوّة ، وإنّ أصغر الفجوات لأكثرها تعذّرا على التجاوز.
جوعٌ يطلع من جمالي؛ وإنّي لأرغب في أن أسيء إلى كلّ الذين أنيرهم، والذين أجود عليهم أريد أن أسرقهم –كذا أنا أتعطّش إلى السوء .
أسحب يدي لحظةَ تمدّون أيديكم إليّ : تمامًا مثل الشلال يتردّد وهو في غمرة التدفّق –كذا أنا أتعطّش إلى السوء .
ثرائي هو الذي يتدبّر مثل هذا الانتقام، ومثل هذه الأحابيل تنبع من وحدتي .
سعادتي التي في العطاء استُنفذت في العطاء، وفضيلتي أنهكها زخمها الخاص.
من يظلّ على الدوام يمنح يتربّص به خطر أن يفقد الحياء، ومن يوزّع على الدوام يصيب يده وقلبه سكر الكَنَب من فرط التوزيع.
عيني لم تعد تدمع لخجل السائلين، ويدي غدت أصلب من أن تشعر بارتعاشة الأيدي المليئة .
ما الذي جرى لدموع عيني وزغب قلبي؟ يا لوحدة كلّ المانحين! يا لصمت كلّ المضيئين !
شموس كثيرة تحوم في فضاءات خلاء، وكلَّ نفس قاتمة تحدّثها بنورها؛ أمّا أنا فلا تنبس لي بكلمة .
أوه، عداء النور لكلّ ما هو مضيء؛ بلا رحمة يمضي النور في طريقه .
حاملةً في الأعماق قسوتها تجاه كلّ مضيء، باردةً إزاء الشموس؛ هكذا تمضي كلّ شمس.
مثل عاصفة تمضي الشموس في مداراتها؛ تتبع إرادتها التي لا تنثني: تلك هي برودتها.
وحدكم أنتم أيّها القاتمون الليليّون تستمدّون دفأكم من المضيئين! ووحدكم ترتشفون ×الحليب وكلّ شراب منعش من ضرع النّور .
آه، جليدٌ من حولي، ويدي تحترق لملامسة كلّ جليديّ . آه، ظمأٌ يسكن روحي ويتوق إلى عطشكم .
إنّه الليل : آه، لِم ينبغي عليّ أن أكون نورًا ! وعطشًا لما هو ليليّ ! ووحدةً !
إنّه الليل : هي ذي رغبتي تنفجر فيَ الآن مثل نبع ؛ رغبتي تريد الحديث .
إنّه الليل : هي ذي الينابيع الفيّاضة ترفع صوتها في حديث مسموع . وروحي هي أيضًا نبع فيّاض .
إنّه الليل : هي ذي أغاني المحبّين تستيقظ الآن. وروحي هي أيضًا أغنية محبّ."

هكذا تكلم زرادشت .

*مقتطعات من الترجمة التي بصدد الانجاز عن اللغة الألمانية من طبعة "الدراسة النقدية" للأعمال الكاملة لنيتشة التي أعدها جيورجيو كوللي ومازّيونو مونتيناري. إصدارات:
DTV; Deutsche Taschenbuch Verlag GmbH&Co. München


كاتب ومترجم تونسي يقيم في برلين
عن موقع كيكا الثقافي

Wednesday, May 18, 2005

يادم العراقي......الشاعر موسى حوامده

يا دم العراقي

مات الشاعر العراقي عقيل علي , مهملا ومرميا في شوارع بغداد , مات مهجورا في محطة الباصات , مات وهو يحمل قصيدة في جيبه يشيع فيها العالم ويرثي الحياة , تبدى بموت عقيل زمن رديء من الثقافة العربية التي يسجن فيه الشعراء ويموتون جوعا ونسيانا , فهناك من ينقلون للسجون ويحكمون بالموت بكل الانواع , هذه صرخة في واد ميت .
بح يا دم العراقي بالنشيج , بح بالعويل على خطى أنكيدو
بح بالحرائق والنار,
تكلم بتلك اللغة الآشورية المعلقة عند قبر تموز
تكلم بهذيان جلجامش لزهرة الخلود التي رماها في دجلة
بح يا جسد الشاعر بالهزيمة
بح بالنقمة والضياع عند محطة الباص وفي سيارة الإسعاف الشاخصة لنقل الخردة
اعتن يا دم العراقي بماء الخليج
زده طميا وشعرا وخورا
علقه على غبار جيكور
وفي حديقة البريكان
فوق سرير السياب في الكويت
في منافي بلند والبياتي وسعدي
في موت رعد وجان
في تجاعيد الصايغ
في نشيج سركون
في صمت نازك وتلاشي مهدي
في بيارق الحسين والحسن
في دم السلالة
فوق كف الخيانة
عند عتبات النجف
تحت سعف البترول المحترق
في سجن (أبو غريب)
في حريق الوشايات
بح يا نجيع الموت بالفاحشة
قُدْ عشتار من يديها
قدمها وجبة لهولاكو المخصي
علقها زينة على مقابر الرمل
جدارا في زقورة بابل
قدمها تبغا للمرتزقة
زود دم الضحية بعطر الجناة
كل الجناة من نبوخذنصر حتى مطلع القصيدة .

*
اليوم تنكسر حجر السماء
تنكسر حديقة الحرية
تنز جثة الشعر دما حراما,
مرارة النشيد
لم تحمل نشوة القصيدة
بياض الموت
ينام في أرض الرافدين .
*
طوبى للقتلة
طوبى للقبور
طوبى للمومسات
في كل العصور
طوبى لدم الحروف وخيانة الريح .
Musa_hawamdeh@yahoo.com

Tuesday, May 17, 2005

ألكلمات وظلالها.....مهدي النفري

وداعا
وداعا ايها القادم
ايها الماضي
لست منكم بعد اللحظه
ولستم مني
...............
الاسماء تمر عابره
اطالعها بتمعن
اعيد الكره مليون مره
لااكثر من وهم
.................
اين انتي ايتها القصائد؟
اين انتم ايها الشعراء؟
ثمة عكاز لايفصلكم عن السراب
..................
في هذه اللحظه
وربما قبل الف سنة من الآن
وربما بعد مليار سنة
المقعد هو هو
زمن يحيط بنا لاندري من اين جاء وإلى أين سيرحل؟
......................
نجتمع
نفترق
وتبقى الطاولات وحدها الذكرى
.............................

Sunday, May 08, 2005

ماء تساوت ... عبدالله المتقي



إلى واد كاينو


لم أكن أملك سوى جدتي.
كميشة من لحم.
خريف من التجاعيد.
زغيبات بيضات تتدلى من دقمها.
صدر نحيف يتنفس بطيئا على حافة الحياة.
سبحة بنية.
رائحة القرنفل والحامض.
تيمومة ملساء وباردة.
صندوق أزرق
باهت
ويتقشر
حكاية الفقيه
تسقط عباءة المساء على وجه العالم، تشعل ماماس نصف شمعة، تدخل الملائكة، و تتكور جدتي في زاويتها، لأتكور أنا وأختي قريبا منها.
تقول جدتي:
- ماعليناش...البارح فين خليناها ؟
ولأن البيضة حامية في أختي، تنط:
- "ملي وصل لفقيه لواد تساوت "
وتتناثر جدتي حكيا على رصيف الليل :
كان، حتى كان
أعمى يحقق ساعته بعينين جاحظتين،
مقعد يمشي على البيض،
وأصم يستمع لموسيقى هاتفه الخلوي،
........
وتوقفت بغلة الفقيه بوادي تساوت، شربت حتى شاط عليها، التفت الفقيه هنا وهناك، و بال في الماء، مسح قلمه بحجرة باردة ، غسل أشياءه ، ركب دابته ، وحين كان يمشي جهة بيته أحس بمايشبه انمل يسري بين كتفيه،وفوق العتبة ، قال لامرأته :
" غطيني "
ارتعش تباعا وسراعا
برد
سخن
وفي الصباح مسخ لقلاقا، وطار جهة وادي أم الربيع .
تقلد جدتي اللقلاق بحركة من فمها ويديها، ثم ريثما تكاد تستلقي على كتفها من الضحك،
سقط فمها، بدت في شي شكل، وكدنا نموت من الضحك
قفل الحكاية
ومشت حكاية جدتي
مع الواد الواد
ثم ريثما اختفت
ليجدها السارد تهذي في ذاكرته
أمسكها من يدها
انفتحت الأبواب المغلقة، ودخلا القلعة
وتحت دالية عنب كتبا معا حكاية ماء تساوت


أوراق للهمس ..... مهدي النفري

بينما ادفع بأقدامي للأمام
يسحبني الظل من ربطة العنق للخلف
في مدن الثلج تسقط الشمس كالذكرى
كبلادنا وفتنة سديمها
كأحلامنا
ليس أكثر من ريح وقطعة قماشا سوداء
من اخرج تلك الأشجار من خضرتها؟
هل هي أغصانها؟
أم زمهريرة الرجل!!!!!!!!!!!!!
أم الله الذي جلس يتربع على عرشه هناك؟
هو همس لااكثر
من أراد أن يمسك بأوصاله فليمت بالصمت
على مهلك أيها الليل

نحن نجتر أوراقنا نخشى الرقيب
نخشى أن يمر وحي القصيدة بداره بالخطأ
عندها تصافح ملائكتنا الحقيقه
الحقيقة التي وزعت علينا بالتساوي
أن نموت ونحن أحياء
أن نستدعي حسراتنا طوال العمر
أن نعبر إلى وجوهنا من غرف الطغاة

Sunday, May 01, 2005

المجتمعيه والثقافويه بين الاسم والمسمى........ عباس امير

: الاسم والمسمى جهتان أو طرفان متعاشقان تعاشقا جدليا. يصير بموجبه كل طرف علامة دالة ومفضية الى الطرف الثاني. ابداً لا اعتباط اصالة بين الدال والمدلول ، او بين الاسم والمسمى، فان صار ثمة عدم انسجام بين الاسم والمسمى فذاك لان احد الطرفين او كليهما
غير مستجيب لاقامة علاقة مقاددة او مطابقة بينه وبين المفهوم المجرد الذي يشكل علاقة محايدة بالنسبة الى الطرفين.. لنقل مثلا، ان” س “ مثقف ، قولنا هذا مفاده ان” س “ مسمى وان” الثقافة “ ، اسم وهما بالنسبة الى القيمة المجردة للثقافة، منسجمان او غير منسجمين من حيث مدى تمثلهما او من حيث مدى تمثل احدهما لتلك القيمة. اما القيمة المجردة للثقافة فهي الوعي.. وقد تنسجم الثقافة مع الوعي.. وقد تتمثله ، اذ قد لا تساجم الثقافة الوعي في حقبة مامن حقبها السوسيولوجية، وكمثل ماعليه الحال مع الثقافة كذلك الحال مع المثقف، فقد يساجم ويناغم المثقف بوصفه مسمى، اسمه، اي الثقافة، وقد يكون العكس..
ان حركة التغيير التي يشهدها ويتمثلها الاسم لابد ان تطبع الاسم بطابع التغيير ايضا، والا فلا انسجام بين الاسم والمسمى .. ذلك ان حركة التغيير الثقافوي تعني تصورا ايديولوجيا جديدا للعالم بالنسبة الى هذا المجتمع او ذاك، هذا التصور بالنسبة الى الاسم لابد ان مايقابله تصور مماثل بالنسبة الى المسمى”المثقف “، وهكذا تشكل العلاقة بين الاسم والمسمى كلياتها وآثارها في البنية المجتمعية التي لنا أن نضبط حراكها في ضوء الثقافي المجرد، فيتشكل لدينا نموذج جديد من العلاقة” الاسموية “.” نسبة الى العلاقة بين الاسم والمسمى “ الا وهي علاقة الثقافة” الاسم “ بالمجتمع” المسمى “..!وهكذا يكون لنا ان نحيط بشخصية هذا المجتمع او ذاك في ضوء نظامه الثقافي ، شرط ان نضع في اعتبارنا مفهوما شموليا للثقافة يبدأ ببناها التحتية مجسدة بالصبغة التداولية الشعبية بكل مالهذه الصبغة من تلوينات ومظاهر وممارسات دينية وشعائرية وقيمية ويومية .. الخ، وينتهي ببناها التحبوية وصفاتها الطبقية التي يمتلك ناصيتها رجال الفكر ورجال الدين والنخب الجامعية والادباء .. الخاحيانا يحصل عدم انسجام، ان لم نقل غالبا، مابين البنى الثقافية التحتية وبين البنى النخبوية..لنا ان نصف هذا الاختلاف او عدم الانسجام بانه علاقة طردية بين البنيتين اذ على قدر ما يتحقق للنخب من مقاربة المعيار الثقافي، معيار، الوعي بوصفه الطرف الثالث، في اقانيم الثقافة الثلاثة” الوعي ـ الثقافة ـ المثقف “ على قدر مايتحقق بصفة شبه كاملة او كاملة نادرا، يتحقق تباعد وتباين وعدم انسجام بين طرفي الوعي المجسدين” المجتمعية والثقافوية “.لاشك ان الثقافة في مجتمع بدائي” وفقا لايماننا بتداولية الثقافة وتحتياتها “، ذات بعد بدائي، وهي في مجتمع مديني ذات بعد مديني، كذلك اذ هي مجتمع تقني او تقاني ، كذلك هي في مجتمع معلوماتي..ولكنها وهي في مجتمع تقاني، غير مقتضية بالضرورة ان تشكل علاقة تباعد مع البنى التحتية المجتمعة فان شكلت ذلك فثمة خلل ما...والا كيف نفسر ذلك الانسجام” المجتمعي ـ الثقافوي “ في مجتمع كالمجتمع الياباني، مثلا وهو التقاني ـ المعلوماتي الاول ..!مازالت القصيدة اليابانية، تعكس مشتركات اندماجية واضحة بين البسطاء والنخبة.. وهذا يعني ان الصياغات الايديولوجية للتقانة امر وارد ، شرط ان تعمل تلك الصياغات على تلبية الحاجات والمتطلبات المجتمعية التي يريدها البسطاء من الايديولوجية بكل تفرعاتها السياسية والدستورية والدينية والثقافية .ترى كيف يمكن للثقافة في مجتمع صوت دستوريا وسياسيا، اكثر من نصفه لقائمة ذات طابع روحي ومرجعية دينية، ان تكون حتى لايكون ثمة تباين واختلاف ومعاداة وتحيز وانعزال بين المجتمعية والثقافوية.. الا يقضي الواقع، او الا تفرض الشروط الانتحابية لهذا المجتمع، ان تكون ثقافته ذات بعد ديني؟! من يقول ان عصر المعلوماتية يدحض هذا الافتراض، سوف يعدل عما يقول اذا اثر التأمل العميق واستقراء احوال المجتمعات، على الرد الانفعالي الاني.. نعم علينا ان نفصل بين الدين بوصفه قيمة مجردة عليا وبين المتدين، اذ العلاقة بين الدين والمتدين هي عينها الثقافة بالمثقف وكلتاهما، علاقة الاسم بالمسمى فالمتدين مسمى والدين ، اسم ولابد من تعشق الاسم بالمسمى على ان الطرفين كليهما ذو علاقة مسببة بالقيمة المجردة الكامنة وراء تشكل الدين كما هي كامنة تشكل الثقافة الا وهي وعي الانسان بذاته ووجوده حق وعيه.. وهنا تصير العلاقة بين الدين والثقافة من جهة ، وبين المتدين والمثقف من جهة اخرى عين علاقة الاسم بالمسمى ووفقا لديالكتيك فاعل وبناء، ما كان له ان يكون كذلك الا لايمان كل من المتدين والمثقف على سواء ، بان الدين او الثقافة كليهما طماح الى اعادة الانسان الى علائيته. فاذا اخذنا بنظر الاعتبار ان هذا الانسان في هذه الحقبة من تشكلات وعيه راغب بعلائية دينية كشف عنها استطلاع الرأي الكبير ممثلا بالانتخابات، اذا اخذنا بنظر الاعتبار هذه الحقيقة فلنحرص على استثمارها وعلى قدر مانحققه لذلك الانسان من علائية تتحقق علاقة الانسجام بين الانسجام المجتمعية والثقافوية وفقا لشخصيتها العراقية.. ولنبتعد عن الجزيئات اذ اردنا ان يكون الاسم دالا على المسمى، والا فان الانطلاق من العلاقة الى المعلم” بتشديد اللام وفتحها “ لايفي الى غايته حينما يكون العني والاهتمام بالتفاصيل اذ ما بين العلامة وماتشير اليه مسافة لابد ان يملأها الخيال والتأمل، ولابد ان يتخللهما الاحتمال والظن، ولزاما يشوبها الاختلاف والقصور عن النيل بعد الدرك والادراك ، ومن ما زال يصر على صفة التقانة ومجتمعية الانترنيت وعصر المعلومات، على ان كل ذلك برأيه يتعارض مع الدين، اقول له، ماقال لينتون”ان التقنية يمكن ان تتعايش مع السحر نفسه “، فان كانت تتعايش مع السحر، فتعايشها مع الدين اولى.. ومن مازال يصر على غير ما يقضي به الواقع، نقول اذن، اقنع الناس، اجعل اكثر من نصف المجتمع يقتنع برأيك في ليلة وضحاها ، او تبوأ لنصك وخطابك مقعدا بلا فضاء ، وكلمات بلا سياقات ، وادبا بلا تناصات
عن جريدة الصباح البغداديه ..!

Wednesday, April 27, 2005

سلالتي الريح وعنواني المطر.....الشاعر موسى حوامده

قبل أن ترتطم الفكرة بالأرض
قبل أن تفوح رائحة الطين
تجولت في سوق الوشايات
شأحمل ضياعي
وأقتل نفسي
أنا حواء وآدم
أنا هابيل وقابيل أيضا ,
نسل الخطيئة وزواج السوسن من بيت الطيوب


لعلي هنا أو هناك
لعلي في نسغ الصنوبرة أو الأرزة
لعلي في طمي النيل أو قاع التايمز
لعلي ريشة في جناح غراب
أو ذرة مطمورة من رماد منجم فحم صيني
لعلي بعضا من فاكهة أفريقية أو من جذع شجرة في بنما
لعلي ظلام يغطي القطب الشمالي
او نهار يشرق فوق المحيط الهادي
لعلي من أسلاف مغول
أو من نسل قاتل روماني

قلت لعلي من أسرة يهودية
أو عائلة بوذية
او من بقايا الهنود الحمر
أو من كاهن هندوسي

من يثق بأن دمع العين لا يتغير
وأن ريح الخريف لا تعبر كل أيام السنة

من يضمن أن تراب المقبرة لم يسكن غيم شتاء القرن السابق لميلاد سقراط
من يثق بأن الحرارة التي طبخت جسد الفرعون تحتمس ليست نفس الحرارة التي تعبث بوجه طفلتي الصغيرة

لعلي من أمم كثيرة ورجال كثيرين
لعل لي جدات روسيات وعمات اسبانيات
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
واثق ان مياه الخلق تدور بين الوديان والشهوة
بين الحرير واللهاث
واثق أن لغتي ليست جسدي
وأن أصوات الطيور ليست غريبة عن حركة الريح والمطر
لست اليوم
ولست غدا
لعلي كنت طائرا في زمن الفرس
صليبا في عهد قسطنطين
سيفا في يد خالد
أوكأسا في يد الخيام
من يدلني عليّ ؟؟
قلبي ملئ بوجيب العالم
خطواتي تأخذني لبيت النار الأول

لست قادرا على شتم كوكب المريخ
لا رغبة عندي لانتقاد مسار الزهرة
ولست حريصا على وقف هبوب المغناطيس فوق عظام الأجداد الميتين

معي ومضة من سلاح الإله مارس
قبس من نار بروميثيوس
ومعي آيات من القرآن
مزامير من داود
تراتيل من بولص
مقاطع من بوذا
كلمات من عبد البهاء
لست عارفا مطالع الفلك ولا مغارب الخلق
بدأت أعتاد الدهشة
وأتجلى في مراياي !!!



أعرف من لا يعرفني
أخي الذي لا يمت لي بصلة ولم يسمع باسمي من قبل
أختي من قفقاسيا
وعمتي من اليونان
ربما وشم صوتي الاتراك
أو هذَّب وحشيتي البحر
ربما ولد مني مزارع فرنسي
أو سياسي مخادع في ايطاليا
ربما جئت من تراب لوس انجلس
أو من طين أثينا
من يعرف تاريخ جسدي قبل ألفي سنة
من يملك بيضة الرخ في يده
من يدلني عليّ؟

لعلي لست أنا
لعلي لست أنت
لعلي هنا او لعلي هناك
لعلك أنت مني وأنا من ثرى المريخ
لا أنكر صلتي بزيوس
ولا أقر بدمه في عروقي
لا أطعن في صحة النهر ولا أخبئ البحر في خزانتي
سلالتي الريح وعنواني المطر
عمان 14-3-2004
Musa_hawamdeh@yahoo.com

Saturday, April 09, 2005

رسائل عشق .............مهدي النفري

رسائل عشق
-1-
لماذا ساخرج من صمتي؟
طالما وجدتك قريبا مني
رغم كل السنين التي تفصلنا عن بعض
الا انك مازلت كما انت لااحد غيرك يتحرك داخل مساحة احساساتي
حين تركت الوطن لم تتركه لوحدك كنت ايضا معك
ولاادري اذا كنت تراني بجنبك ام انك اصبحت شخصا اخر
تعرف ماالذي دعاني للكتابة اليك؟
الان في نفس الشارع الذي جمعنا اول مرة
امام شجرة الزيتون هي مازالت كما هي
رغم الحروب سواء من البشر او من الطبيعة
جئت هنا اليوم لاسئلك هل لك ان تعيد لي قلبي؟
اضطررت للزواج بعدك
لاحل لي انا امرأة وانت تعرف ماذا تعني امرأة في الشرق
هل لديك رغبة ان تسمع لي
ام انك تملك اذانا اجنبية هم هكذا يقولون ان المرء حين
يسكن هناك لسنين طويلة تصبح مسامعه اجنبية
لايهم عندي
–2-
لم اعد احتمل
كل مافي العالم هوانت
هل انت العالم؟
قل لي
اريد منك الاجابة
اخذت ابني الى المدرسة
ولانني انا احمل قدري اينما حطت اقدامي
وقف ابني امام الشجرة .ليس من عادنه ان يقف هناك
إلا اليوم ربما يريد لي ان اتعذب اكثر
تحرك ياولد الوقت داهمنا
أمي كم احس بان هذه الشجرة جزءا من حياتي!!!!!!
من اين اتى بهذا الكلام؟
هل جاء وحيك ليلهمه كل هذا؟
مانحن ياولدي وهذه الشجرة لم تكن يوما لنا ولم نكن لها يوما
-3-
مرت شيماء عندي اختك
قالت بالحرف الواحد ان الجميع في بيتك منهار لعدم ذكرك لهم ولو بحرف
ولو بتلفون
المشكلة إنهم لايعرفون اين انت وفي اي بقعة في هذا العالم
ياخسارة هل اصبحت قاسيا لهذه الدرجة
خشيت ان يسمعنا زوجي ولذلك تركت الكلام إلى حين خروجها
شيماء
الغائب عذره معه
-4-
اريد ان اخرجك من راسي
حتى لو كلفني ذلك حياتي
ولكن كيف؟
ستقول لي من اين لك كل هذا الوقت لكتابة الرسائل؟
انت اعرف انك الوقت كله
-5-
ذهبت اليوم للبحث عن وظيفة في التدريس
قال لي(ابوكعكعة) لاوظائف
هل تتذكره كنا نضحك عليه حين يلقي محاضراته علينا
في قواعد اللغة العربية
مازلت احفظ ماقلت له في احدى المرات
ماهو اعراب كعكة؟
وقتها طردك من القسم وطردني وراءك
اليوم انا امامه ام امامك
قل برب السماء لماذا انت في كل الزوايا؟
-6-
عاد زوجي من المستشفى
لم يمت بعد
انا لااريد له الموت اريد الموت لي
لكي انساك
جاء حاملا معه هموم الموتى
وصناديق القذائف الفارغة من الرحمة
تاملته جيدا قبلته قلت له انني سعيدة بسلامتك لنا
اقسم لك انني فعلت ذلك ليس من اجله بل وضعتك انت
امامي وشطبته هو لذلك فعلت كل ذلك بحرارة
-7-
ابي مات
هكذا مات مثل كل البشر
الموت اصبح جزءا لايتجزء منا
ربما هو بحاجة للموت
اقول لك اننا جميعا بحاجة لنموت
على اقل تقدير لنعرف ماذا يعني ان نموت
قرات مقطع شعري يقول
حين مات
انتبه الرجل الغامض
لانه لاول مرة يموت
اين انت؟
لماذا انت في راسي
في لحظة دفن ابي كنت حاضرا انت
ليس احد غيرك
ربما ستقول انني اصبحت
إمرأة خرفة
لا ابدا
مازلت في كامل قواي العقلية
لكن حضورك الدائم
جعلني أخرف
آه من اين أأتي بك لترى مشهد موتنا
-8-
استغرب من هذه الشجرة
شجرة الزيتون
من جاء بها الى مدينتنا؟
هل تتذكر يوم مسحنا شوارع المدينة كلها
بحثا عن شجرة زيتزن غيرها
لاشيء
نحن بلاد النخيل
وشجر الصفصاف
من اين لنا بالزيتون؟
الغريب انها لم تثمر يوما!!!!
-9
يقول الجميع ان الحرب مع الامريكان قادمة
صدقني لايهم الجميع شيء
الحرب او السلام
نحن لانعرف السلام
فبماذا ستاتي الحرب من جديد لحروبنا
التي لانهاية لها
لعلك انت الوحيد الذي يعرف بما يدور في راسي
أين أنت؟
10
أحرقت كل الرسائل
ماعاد شيء يدفعني للكتابة اليك
سنوات عبرت 13 سنة
وانت لاحراك
لولا شيماء لم يبق شيء
هذه الرسائل المتبقية استطاعت اختك ان تنقذها من النار
ربما تريد العذاب لي
لن اكتب لك بعد اليوم
وداعا
وداعا
ايها الذكرى

-11-
لم استطع
قلبي لم يطاوعني ان لااكتب لك
هل ترى الحرب الان؟
لعلك تراها وقد لاتراها
هناك لغط كثير من إن الطاغية سينتهي
الحرب قادمة من اجل نهايته
لااعرف قد تصدق العرافات مرة واحدة
اتمنى
-12-
لقد إنتهى صدام
إنتهت عفونته
فاخرج انت من منفاك
قل لي شيئا
اريدك ان ترى بعينيك كيف انتهى
يمكنك ان تشاهد كل شيء هناك
اريدك ان ترى
كل شيء
لكن ماعساني ان افعل
لك
-13-
(إكتشاف مقبرة جماعية في مستشفى ...... في مدينة .......واكتشاف بقايا لحبيبها في المقبرة)
الم أقل لك
إنك لم تتركني
دائما ارددها إنك قريبا مني
كلما مررت بجانب الشجرة
اراك
وتراني
يالقدرك ويالقدري
لم تبعد عني سوى امتار
(كان بيتها لايبعد عن مكان المقبرة الجماعية سوى أمتار)
آه
آه
قل لي بربك من فعل بك هذا؟
انت لاتخفي عني شيء
قل لي
يارب السماء
لماذا
لماذا؟
..............




ا

Tuesday, April 05, 2005

حلقات من اوراق دونها عصفور...........مهدي النفري

أوراق دونها عصفور
هل لك أن تقولي لنا شيئا أيها العصافير؟ نحن أبنائك لم يضرك شيء أن تبيحي لنا بأسرارك.نحن جلدك الذي يميزك عن الآخرين.حلمك الذي يقودك إلى بر الأمان
قليلا إلينا لنعطيك ألثمره.فليس من صورة لك في مرآة غيرنا.
الآن يمكنني أن ادفع لك بقامتي التي يقال إنها تطول وتقصر تبعا للأيام ربما هي كذلك هذا لايزيد من تشبثي بجناحيك والتطلع خارج دواليب الزمن.
زمن وضعته أنامل الآخرين على طاولتنا ليس من طبق أحضرناه بأيدينا أليس كذلك أيتها العصافير؟
لم تتمتمين وتحاولين دائما الهروب إلى عزلتك لتمارسي خطيئتك بالصمت؟
لم هذه السيوف التي تدخل علينا دون أن نعي هل هي لأخوتنا أم لأعدائنا؟
لما ترنحت في مكانك أيتها العصافير؟
اعرف انك في أوج حالات الغيظ لكن هذا لايعفيك أن تدوري براسك لتقولي بنعم أو لا
إنها السخرية بل هي اليقظة التي يحلم بها شعور كل منا لكي يرى من هو على فطرته كما يقولون.
لم تفركين يديك وكأن الدنيا هي مجرد حيطان لايرانا من وراءها احد؟
الم تقولي لنا يوما إن للوجوه رماد يشتعل متى ماحضرت الذكرى؟
قولي لنا من كان وراء الريح؟كيف خرجت هذه الأكفان ترفرف من قبورنا؟
أليست هي تراب يؤوينا من شر أنفسنا؟
سلسله سننشرها تباعا............................................

Saturday, March 19, 2005

مختارات الحديقة ............Taja Kramberger

Now That We Are No More For the painter Alenka Koderman
Now that we are no more,
Does the sky still part its hair,
Is it snug and serene,
Is it willing and decanting in its expectation?
Do the glowing faces still wash themselves in its bubble bath?
Are the cones coated carefully with resin,
Is the north wind favourable, does it anoint the sails going south?
Is the sea still salty, does it smell of love?
What a polished storm,
Hidden in the sharpness of a chiselling knife,
Which during the exhibition creeps into the
Shell of its skeleton!
Are the titles known,
Lined up, do the colours of the woods drip out of them
Into the endless convex seals of love
As blood drips out of mortal wound? Do grapes of tears,
Captured from the surface of a pond, reflect an aquamarine?
Do pads of an avalanche lie hidden beneath the leaves,
Weaving and unweaving the night beneath the white feathers of the surface?
Is a leaf,
Having wintered entirely and all by itself, aware
Of all the weight of its impression on the canvas?
The cosmic explosions of Jan Breughel’s bouquet
Give birth, eject Ross Bleckner’s Hot House.
Unbearable are the throes of water, drying out the pain.
Yet still the canvas is lighter than the raft
Which takes you safely to the shore.
The millstone of the body has to endure us, even
If the heart gone wild invents explosive units, shorter than a second,
Or else the bread images do not hold us, and crumble,
Evaporate into the ether,
The muffins –
Weightless as bivalent ferric iron.
Now that we are no more,
Does a jet of light at the Prvomajska 8 still exchange
A kiss with the cherry-wood table at 18.36 and a minute
Later tickle the back of literary lovers?
Do the colours of the early Hrastovlje spring blaze out, and
Are they sucked in by the sun as if they were Schweppes?
Is the Shoemakers’ Bridge weary
Of lying on its back, has it turned on its stomach? Do the reasons of
Ecstasy, dear poets, keep hidden and lap the opposite shore of the
Trieste Gulf; do they return refreshed,
Carried by the sea streams?
Now that we are no more, we seem
To be more present than ever. The wind, having
Evaded the old centenaries
Through the eye-let of the millennium half ajar,
Has seated us behind the table of an ancient spring:
With the dew – eye to eye.
Are we to be completed by the snow?
Is our image to be finished by the crickets lying hidden
In the acoustics of a rainspout?
Are we repeated by gestures of the poplars?
Are we to be exterminated by Cooper Light, which eats away
Our endeavour and denudation
To depilate the past
To shave the beard of the present
To trim the hedge of the future.
Now that we are no more;
Perhaps now the infinite succession of poets
May be drawing a line of trees on the cover of some mute folder.

Tuesday, March 15, 2005

كتاب المواقف .........النفري


كتاب المواقف
النفري توفى 354 هجري
موقف العز
أوقفني في العز وقال لي لا يستقل به من دوني شيء، ولا يصلح من دوني لشيء، وأنا العزيز الذي لا يستطاع مجاورته، ولا ترام مداومته، أظهرت الظاهر وأنا أظهر منه فما يدركني قربه ولا يهتدي إلي وجوده، وأخفيت الباطن وأنا أخفي منه فما يقوم علي دليله ولا يصح إلي سبيله.
وقال لي أنا أقرب إلى كل شيء من معرفته بنفسه فما تجاوزه إلي معرفته، ولا يعرفني أين تعرفت إليه نفسه.
وقال لي لولاي ما أبصرت العيون مناظرها، ولا رجعت الأسماع بمسامعها.وقال لي لو أبديت لغة العز لخطفت الأفهام خطف المناجل، ودرست المعارف درس الرمال عصفت عليها الرياح العواصف.
وقال لي لو نطق ناطق العز لصمتت نواطق كل وصف، ورجعت إلى العدم مبالغ كل حرف.وقال لي أين من أعد معارفه للقائي لو أبديت له لسان الجبروت لأنكر ما عرف، ولمار مور السماء يوم تمور موراً.وقال لي إن لم أشهدك عزي فيما أشهد أقررتك على الذل فيه، وقال لي طائفة أهل السموات وأهل الأرض في ذل الحصر، ولي عبيد لا تسعهم طبقات السماء ولا تقل أفئدتهم جوانب الأرض.أشهدت مناظر قلوبهم أنوار عزتي فما أتت على شيء إلا أحرقته، فلا لها منظر في السماء فتثبته، ولا مرجع إلى الأرض فتقر فيه.وقال لي خذ حاجتك التي تجمعك علي وإلا رددتك إليها وفرقتك عني.وقال لي مع معرفتي لا تحتاج، وما أتت معرفتي فخذ حاجتك.وقال لي تعرفي الذي أبديته لا يحتمل تعرفي الذي لم أبده.وقال لي لا أنا التعرف ولا أنا العلم، ولا أنا كالتعرف ولا أنا كالعلم.
موقف القرب
أوقفني في القرب وقال لي ما مني شيء أبعد من شيء ولا مني شيء أقرب من شيء إلا حكم إثباتي له في القرب والبعد.وقال لي البعد تعرفه بالقرب، والقرب تعرفه في بالوجود.وأنا الذي لا يرومه القرب، ولا ينتهي إليه الوجود.وقال لي أدنى علوم القرب أن ترى أثار نظري في كل شيء فيكون أغلب عليك من معرفتك به.وقال لي القرب الذي تعرفه في القرب الذي أعرفه كمعرفتك في معرفتي.وقال لي لا بعدي عرفت ولا قربي عرفت ولا وصفي كما وصفي عرفت.وقال لي أنا القريب لا كقرب الشيء وأنا البعيد لا كبعد الشيء من الشيء.وقال لي قربك لا هو بعدك وبعدك لا هو قربك، وأنا القريب البعيد قرباً هو البعد وبعدا هو القرب.وقال لي القرب الذي تعرفه مسافة، والبعد الذي تعرفه مسافة، وأنا القريب البعيد بلا مسافة.وقال لي أنا أقرب اللسان من نطقه إذا نطق، فمن شهدني لم يذكر ومن ذكرني لم يشهد.وقال لي الشاهد الذاكر إن لم يكن حقيقة ما شهده حجبه ما ذكر.وقال لي ما كل ذاكر شاهد وكل شاهد ذاكر.وقال لي تعرفت إليك وما عرفتني ذلك هو البعد، رآني قلبك وما رآني ذلك هو البعد.وقال لي لن تجدني ولا تجدني ذلك هو البعد، تصفني ولا تدركني ذلك هو البعد، تسمع خطابي لك من قلبك وهو مني ذلك هو البعد، تراك وأنا أقرب إليك من رؤيتك ذلك هو البعد.
موقف الكبرياء
أوقفني في كبريائه وقال لي أنا الظاهر الذي لا يكشفه ظهوره، وأنا الباطن الذي لا تراجع البواطن بدرك من علمه.وقال لي بدأت فخلقت الفرق فلا شيء مني ولا أنا منه، وعدت فخلقت الجمع فيه اجتمعت المتفرقات وتألفت المتباينات.وقال لي ما كل عبد يعرف لغتي فتخاطبه، ولا كل عبد يفهم ترجمتي فتحادثه.وقال لي لو جمعت قدرة كل شيء لشيء، وحزت معرفة كل شيء لشيء، وأثبت قوة كل شيء لشيء.ما حمل تعرفي بمحوه، ولا صبر على مداومتي بفقد وجده لنفسه.وقال لي الأنوار من نور ظهوري بادية والى نور ظهوري آفلة، والظلم من فوت مرامي بادية والى فوت مرامي آئبة.وقال لي الكبرياء هو العز والعز هو القرب والقرب فوت عن علم العالمين.وقال لي أرواح العارفين لا كالأرواح وأجسامهم لا كالأجسام.وقال لي أوليائي الواقفون بين يدي ثلاثة فواقف بعبادة أتعرف إليه بالكرم، واقف بعلم أتعرف إليه بالعزة، وواقف بمعرفة إليه بالغلبة.وقال لي نطق الكرم بالوعد الجميل، ونطقت العزة بإثبات القدرة، ونطقت الغلبة بلسان القرب.وقال لي الواقفون بي واقفون في كل موقف خارجون عن كل موقف.
موقف أنت معنى الكون
أوقفني وقال لي أنت ثابت ومثبت فلا تنظر إلى ثبتك فمن نظرك إليك أتيت وقال لي أنظر إلى مثبتي ومثبتك تسلم لأنك تراني وتراك وإذا كنت في شيء غلبت.وقال لي متى رأيت نفسك ثبتاً أو ثابتاً ولم ترني في الرؤية مثبتاً حجبت وجهي وأسفر لك وجهك فانظر إلى ماذا بدا لك وماذا توارى عنك.وقال لي لا تنظر إلى الإبداء ولا إلى البادي فتضحك وتبكي وإذا ضحكت وبكيت فأنت منك لا مني.وقال لي إن لم تجعل كل ما أبديت وأبديه وراء ظهرك لم تفلح فإن لم تفلح لم تجتمع علي.وقال لي كن بيني وبين ما بدا ويبدو ولا تجعل بيني وبينك بدواً ولا إبداء.وقال لي الأخبار التي أنت في عموم.وقال لي أنت معنى الكون كله.وقال لي أريد أن أخبرك عني بلا أثر سواي.وقال لي ليس لي من رآني ورآه بأرائه إنما لي من رآني ورآه بأرائي.وقال لي ليس من رآني ورآه حكم رفق به، أليس فيه شرك لا يحس به.وقال لي لا يحس به كشف فيما رآني ورآه، حجاب في الحقيقة.وقال لي الحقيقة وصف الحق، والحق أنا.وقال لي هذه عبارتي وأنت تكتب، فكيف وأنت لا تكتب.
موقف قد جاء وقتي
أوقفني وقال إن لم ترني لم تكن بي.وقال لي أن رأيت غيري لم ترني.وقال لي إشارتي في الشيء تمحو معنى المعنى فيه وتثبته منه لا به.وقال لي فيك ما لا ينصرف ولا يصرف.وقال لي أصمت لي الصامت منك ينطق الناطق ضرورة.وقال لي أثر نظري في كل شيء فأن خاطبته على لسانك قلبته.وقال لي أجعل ذكري وراء ظهرك وإلا رجعت إلى سواي لا حائل بينك وبينه.وقال لي قد جاء وقتي وأن لي أن أكشف عن وجهي وأظهر سبحاني ويتصل نوري بالأفنية وما وراءها وتطلع على العيون والقلوب، وترى عدوي يحبني وترى أوليائي يحكمون، فأرفع لهم العروش ويرسلون النار قلا ترجع، وأعمر بيوت الخراب وتتزين بالزينة الحق، وترى قسطي كيف ينفى ما سواه، وأجمع الناس على اليسر فلا يفترقون ولا يذلون، فأستخرج كنزي وتحقق ما أحققتك به من خبري وعدتي وقرب طلوعي، فأني سوف أطلع وتجتمع حولي النجوم، وأجمع بين الشمس والقمر، وأدخل في كل بيت ويسلمون علي وأسلم عليهم، بذلك بأن لي المشيئة وبأذني تقوم الساعة، وأنا العزيز الرحيم.
موقف البحر
أوقفني في البحر فرأيت المراكب تغرق والألواح تسلم، ثم غرقت الألواح، وقال لي لا يسلم من ركب.وقال لي خاطر من ألقى نفسه ولم يركب.وقال لي هلك من ركب وما خاطر.وقال لي في المخاطرة جزء من النجاة، وجاء الموج ورفع ما تحته وساح على الساحل.وقال لي ظاهر البحر ضوء لا يبلغ، وقعره ظلمه لا تمكن، وبينهما حيتان لا تستأمن.وقال لي لا تركب البحر فأحجبك بالآلة، ولا تلق نفسك فيه فأحجبك به.وقال لي في البحر حدود أيها يقلك.وقال لي إذا وهبت نفسك للبحر فغرقت فيه كنت كدابة من دوابه.وقال لي غششتك إن دللتك على سواي.وقال لي إن هلكت في سواي كنت لما هلكت فيه.وقال لي الدنيا لمن صرفته عنها وصرفتها عنه، والآخرة لمن أقبلت بها إليه وأقبلت به علي.
موقف الرحمانية
أوقفني في الرحمانية وقال لي هي وصفي وحدي. وقال لي هي ما رفع حكم الذنب والعلم والوجد.وقال لي ما بقي للخلاف أثر فرحمة، وما لم يبق له أثر فرحمانية.وقال لي قف في خلافية التعرف، فوقفت فرأيته جهلاً، ثم عرفت فرأيت الجهل في معرفته ولم أر المعرفة في الجهل به.وقال لي من أستخلفه لم أسوه على رؤيتي بشرط يجدني إن وجده ويفقدني إن فقده.وقال لي إن استخلفتك شققت لك شقاً من الرحمانية، فكنت أرحم بالمرء من نفسه، وأشهدتك مبلغ كل قائل فسبقه إلى غايته، فرآك كل أحد عنده ولم تر أحداً عندك.وقال لي إن استخلفتك جعلت غضبك من غضبي فم ترأف بذي البشرية، ولم نتعطف على الجنسية.وقال لي إذا رأيتني فاتبعني، ولو صرفت وجوه الكل عنك فاني أقبل بهم خاضعين إليك.وقال لي إذا رأيتني فأعرض عمن أعرض عنك وأقبل إليك.وقال لي إن استخلفتك أقمتك بين يدي وجعلت قيوميتي وراء ظهرك وأنا من وراء القيومية، وسلطاني عن يمينك وأنا من وراء السلطان.واختياري عن شمالك وأنا من وراء الاختيار، ونوري في عينيك وأنا من وراء النور، ولساني على لسانك وأنا من وراء اللسان، وأشهدتك أني نصبت ما نصبت وأني من وراء ما نصبت، ولم أنصب تجاهك منصباً هو سواي، فرأيتني بلا غيبة، وجرت في أحكامي بلا حجبة.وقال لي إذا أشهدتك حجتي على ما أحببت كما أشهدتك حجتي على ما كرهت فقد أذنتك بخلافتي، واصطفيتك لمقام الأمانة علي.وقال لي إذا رأيتني فانصرني، فلن يستطيع نصرتي من لم يرني.وقال لي إذا لم تقو على الحجاب عني فقد آذنتك بخلافتي.وقال لي ألبس خاتمي الذي أتيتك تختم به على كل قلب راغب بالرغبة، وكل راهب بالرهبة، فتحوز ولا تحاز، وتحصر ولا تحصر.وقال لي من غاب عني ورأى علمي فقد استخلفه على علمه، ومن رآني وعاب عن علمي فقد استخلفه على رؤيته.وقال لي من رآني ورأى علمي فهو خليفتي الذي أتيته من كل شيء سبباً.
موقف الوقفة
أوقفني في الوقفة وقال لي إن لم تظفر بي أليس يظفر بك سواي. وقال لي من وقف بي ألبسته الزينة، فلم ير لشيء زينة. وقال لي تطهر للوقفة وإلا نفضتك. وقال لي إن بقي عليك جاذب من السوى لم تقف. وقال لي في الوقفة ترى السوى بمبلغ السوى فإذا رأيته خرجت عنه. وقال لي الوقفة ينبوع العلم فمن وقف كان علمه تلقاء نفسه، ومن لم يقف كان علمه عند غيره. وقال لي الوقف ينطق يصمت على حكم واحد. وقال لي الوقفة نورية تعرف القيم وتطمس الخواطر. وقال لي الوقفة وراء الليل والنهار ووراء ما فيهما من الأقدار. وقال لي الوقفة نار السوى فأن أحرقته بها وإلا أحرقتك به. وقال لي دخل الواقف كل بيت فما وسعه، وشرب من كل مشرب فما روي، فأفضى إلي وأنا قراره وعندي موقفه. وقال لي إذا عرفت الوقفة لم تقبلك المعرفة، ولم يتألف بك الحدثان. وقال لي من فوض إلي في علوم الوقفة فإلى ظهره أستند، وعلى عصاه أعتمد. وقال لي إن دعوتني في الوقفة خرجت من الوقفة، وان وقفت في الوقفة خرجت من الوقفة. وقال لي ليس في الوقفة ثبت ولا محو ولا قول ولا فعل ولا علم ولا وجهل. وقال لي الوقفة من الصمدية فمن كان بها ظاهره باطنه وباطنه ظاهره. وقال لي لا ديمومية إلا لواقف، ولا وقفة إلا لدائم. وقال لي للوقفة مطلع على كل علم وليس عليها مطلع لعلم. وقال لي من لم يقف بي أوقفه كل شيء دوني. وقال لي الواقف يرى الأواخر فلا تحكم عليه الأوائل. وقال لي الوقفة تعتق من رق الدنيا والآخرة. وقال لي الصلوة تفتخر بالواقف كما يفتخر بها السائر. وقال لي ما عرفني شيء، فأن كاد أن يعرفني فالواقف. وقال لي كاد الواقف يفارق حكم البشرية. وقال لي سقط قدر كل شيء في الوقفة فما هو منها ولا هي منه. وقال لي في الوقفة عزاء مما وقفت عنه وأنس مما فارقته. وقال لي الوقفة باب الرؤية، فمن كان بها رآني ومن رآني بها وقف، ومن لم يرني لم يقف. وقال لي الواقف يأكل النعيم ولا يأكله، ولا يشرب الابتلاء ولا يشربه. وقال لي مزجت حس الواقف بجبروت عصمتي، فنبأ عن كل شيء، فما يلائمه شيء. وقال لي لو كان قلب الواقف في السوى ما وقف، ولو كان السوى فيه ما ثبت. وقال لي الواقف علم كله حكم كله ولن بجمعها معاً إلا الواقف. وقال لي الواقف لا يصلح على العلماء ولا تصلح العلماء عليه. وقال لي الواقف يبعد بقرب العالمين، ويحتجب بعلوم العالمين. وقال لي إن وقفت بي فالسوى حرمي فلا تخرج إليه فتنحل مني. وقال لي الواقف هو المؤتمن والمؤتمن هو المختزن. وقال لي قف بي ولا تلقني بالوقفة، فلو أبديت لك ثنائي علي وعلمي الذي لا ينبغي إلا لي عادت الكونية إلى الأولية، ورجعت الأولية إلى الديمومية، فلا علمها فارقها ولا معلومها غاب عن عملها، ورأيتني فرأيت الحق لا فيه وقوف فتعرفه، ولا سير فتعبره. وقال لي الواقف يرى العلم كيف يضيع المعلوم، فلا ينقسم بموجود، ولا ينعطف بمشهود. وقال لي من لم يقف رأى المعلوم ولم ير العلم، فاحتجب باليقظة كما يحتجب بالغفلة. وقال لي الواقف لا يروقه الحسن، ولا يروعه الروع، وأنا حسبه والوقفة حده. وقال لي إن تواريت عنه في المشهود شاهد شكي ضر فقدي لا ضر الشاهد. وقال لي حار كل شيء في الواقف، وحار الواقف في الصمود. وقال لي الوقفة روح المعرفة والمعرفة روح العلم والعلم روح الحيوة. وقال لي كل واقف عارف، وما كل عارف واقف. وقال لي الواقفون أهلي، والعارفون أهل معرفتي. وقال لي أهلي الأمراء، وأهل المعارف الوزراء. وقال لي للوقفة علم ما هو الوقفة، وللمعرفة علم ما هو المعرفة. وقال لي يموت جسم الواقف ولا يموت قلبه. وقال لي دخل المدعي كل شيء فخرج عنه بالدعوى وأخبر عنه بالدخول إلا الوقفة، فما دخلها ولا أخبر عنها ولا يخبر عنها. وقال لي إن كنت في الوقفة على عمد فأحذر مكري من ذلك العمد. وقال لي الوقفة تنفى ما سواها كما ينفي العلم الجهل. وقال لي أطلب كل شيء عند الواقف تجده، وأطلب الواقف عند كل شيء لا تجده. وقال لي ترتب الصبر على كل شيء إلا على الوقفة، فأنها ترتبت عليه. وقال لي إذا نزل البلاء تخطى الواقف، ونزل على معرفة العارف وعلم العالم. وقال لي يخرج الواقف بالإئتلاف كما يخرج بالاختلاف. وقال لي الوقفة يدي الطامسة ما أتت على شيء إلا طمسته، ولا أرادها شيء إلا أحرقته. وقال لي من علم علم شيء كان علمه إيذاناً بالتعرض له. وقال لي الوقفة جواري وأنا غير الجوار. وقال لي لا يقدر العارف قدر الواقف. وقال لي الوقفة عمود المعرفة والمعرفة عمود العلم. وقال لي الوقفة لا تتعلق بسبب ولا يتعلق بها سبب. وقال لي لو صلح لي شيء صلحت الوقفة، ولو أخبر عني شيء أخبرت الوقفة. وقال لي معرفة لا وقفة فيها مرجوعها إلى الجهل. وقال لي الوقفة ريحي التي من حملته بلغ إلي، ومن لم تحمله بلغ إليه. وقال لي إنما أقول قف يا واقف أعرف يا عارف. وقال لي العلم لا يهدي إلى المعرفة والمعرفة لا تهدي إلى الوقفة والوقفة لا تهدي إلي. وقال لي العالم في الرق والعارف مكاتب والواقف حر.وقال لي الواقف فرد والعارف مزدوج.وقال لي العارف يعرف ويعرف الواقف يعرف ولا يعرف.وقال لي الواقف يرث العلم والعمل والمعرفة ولا يرثه إلا الله.وقال لي أحترق العلم في المعرفة واحترقت المعرفة في الوقفة.وقال لي كل أحد له عدة إلا الواقف وكل ذي عدة مهزوم.وقال لي الوقفة تعين سرمدي لا ظن فيه.وقال لي العارف يشك في الواقف والواقف لا يشك في العارف.وقال لي ليس في الوقفة واقف وإلا فلا وقفة، وليس في المعرفة عارف وإلا فلا معرفة.وقال لي ما بلغت المعرفة من لا يقف، ولا نفع علم من لم يعرف.وقال لي العالم يرى علمه ولا يرى المعرفة، والعارف يرى المعرفة ولا يراني، والواقف يراني ولا يرى سواي.وقال لي الوقفة علمي الذي يجير ولا يجار عليه.وقال لي الوقفة ميثاقي على كل عارف عرفه أو جهله، فأن عرفه خرج من المعرفة إلى الوقفة، وان لم يعرفه امتزجت معرفته بحده.وقال لي الوقفة نوري الذي لا يجاوزه الظلم.وقال لي الوقفة صمود والصمود ديمومة والديمومة لا يقوم لها الحدثان.وقال لي لا يرى الحقيقة إلا الواقف.وقال لي الوقفة وراء البعد والقرب، والمعرفة في القرب، والقرب من وراء، والعلم في البعد هو حده.وقال لي العارف يرى مبلغ علمه والواقف من وراء كل مبلغ.وقال لي الواقف ينفي المعارف كما ينفي الخواطر.وقال لي لو أنفصل عن الحد شيء أنفصل الواقف.وقال لي العلم لا يحمل المعرفة أو تبدو عليه، والمعرفة لا تحمل الوقفة أو تبدو عليها.وقال لي العالم يخبر عن العلم، والعارف يخبر عن المعرفة، والواقف يخبر عني.وقال لي العالم يخبر عن الأمر والنهي وفيهما علمه، والعارف يخبر عن حقي وفيه معرفته، والواقف يخبر عني وفي وقفته.وقال لي أنا أقرب إلى كل شيء من نفسه والواقف أقرب إلي من كل شيء.وقال لي إن خرج العالم من رؤية بعدي أحترق، وان خرج العارف من رؤية قربي أحترق، وان خرج الواقف من رؤيتي أحترق.وقال لي الواقف يرى ما يرى العارف وما هو به، والعارف يرى ما يرى العالم وما هو به.وقال لي العلم حجابي والمعرفة خطابي والوقفة حضرتي.وقال لي الواقف لا يقبله الغيار ولا تزحزحه المآرب.وقال لي حكومة الواقف صمته وحكومة العارف نطقه وحكومة العالم علمه.وقال لي الوقفة وراء ما يقال، والمعرفة منتهى ما يقال.وقال لي في الوقفة تعرف كل فرق.وقال لي قلب الواقف على يدي وقلب العارف على يد المعرفة.وقال لي العارف ذو قلب والواقف ذو رب.وقال لي عبر الواقف صفة الكون فما يحكم عليه.وقال لي لا يقر الواقف على شيء ولا يقر العارف على فقد شيء.وقال لي لا يقر الواقف على الكون ولا يقر عنده كون.وقال لي كل شيء لي والذي لي مما لي الوقفة.وقال لي الوقفة نار الكون والمعرفة نور الكون.وقال لي الوقفة تراني وحدي والمعرفة تراني وتراها.وقال لي الوقفة وقفة الوقفة معرفة المعرفة علم المعرفة معرفة العلم لا معرفة ولا وقفة.وقال لي أخباري للعارفين ووجهي للواقفين