Thursday, December 30, 2004

في رحاب 2005 ...........مهدي النفري

في رحاب 2005
صفا طويلا
الآن تدور دورة الذكريات
طويلا
إلى يوم ميلادك أيتها السنة
إلى السفن التي لم يودعها احد
هكذا
صفا طويلا
تغدين أيتها السنة
دون عودة

لاالمسافر عاد
ولا السفن تجرأت أن تسأل القبطان
متى نعود؟
غدت أيتها السنة
كشبح نراه ولا نراه
تمرين
ونحن والنوافذ
واحدا احد
ليس من زرقة تدلنا على العودة
حتى نجوم بنات نعش
اختفين وراء الظلام
أيتها السنة
كم من مثلي في الطابور ينتظر؟

مختارات الحديقة ...................محمود البريكان


أعددتُ مائدتي..
وهيّأتُ الكؤوسَ..
متى يجيءُ الزائرُ المجهولُ ؟
أوقدتُ القناديلَ الصغارْ ببقيّة الزيت المضيءِ
فهل يطول الانتظارْ ؟
أنا في انتظار سفينةِ الأشباح تحدوها الرياحْ
في آخر الساعاتِ
قبل توقّفِ الزمنِ الأخيرْفي أعمق الساعاتِ.
صمتاً: حين ينكسر الصباحْ كالنّصل فوق الماءِ
حين يخاف طيرٌ أنْ يطيرْفي ظلمة الرؤيا
سأركب موجةَ الرعبِ الكبيرْ وأغيب في بحرٍ من الظلمات
ليس له حدودْ
أنا في انتظار الزائرِ الآتي، يجيء بلا خطًى
ويدقّ دقّتَه على بابي.
ويدخل في برودْ
أنا في انتظار الغامضِ الموعود،
تحمله الرعودْ والريحُ،
يوشك أنْ يحلّ الوقتُ
.والأُفْقُ الطويلْ
خالٍ وليس هناك ظلُّ سفينةٍ
يبدو الوجودْ كالقوس مشدوداً،
لكنْ لا علامةَ للرحيلْ.
.سقطتْ فناراتُ العوالمِ دون صوتٍ.
الرياحْ هي بعدُ سيّدةُ الفراغِ.
وكلُّ مُتَّجَهٍ مُباحْ
وتغيّرتْ طُرُقُ الكواكبِ فوق خارطةِ السماءْ
الآنَ تكذب ألفُ بوصلةٍ تشير إلى الفناءْ
وعلى مسار الوهمِ ترسم خطَّها القَلِقَ القصيرْ ما من مغامرةٍ.
هو التيهُ المجرَّد في العراءْ !أَتذكّر الموتى.
ولونَ دموعهم في الزمهريرْ(ولعلّهم كانوا جميعاً قبل ذلك أبرياءْ)لم يهلكوا جوعاً ولا عطشاً
، وإنْ كانوا ظماءْ ماتوا
بداء الوهمِ ليس لطائر البحرِ الجميلْ
شكلٌ وقد لا ينزف الدمُ من قتيلْ
.أتذكّر المدنَ الخفيّةَ في البحارْ
أتذكّر الأمواتَ والسفنَ الغريقة والكنوزْوسبائكَ الذهبِ المصفّى،
والعيونَ اللامعا تْ وجدائلَ الشعرِ الجميلةَ في القرارْ منشورةً
، وأصابعَ الأيدي المحطَّمة النحيله مفتوحةً
لا تُمسك الأمواجَ في الطُّرُق الظليله في القاع،
تنتثر النياشينُ المدوّرة الصقيله
وتقرّ أسلحةُ القراصنةِ الكبارْيا
طالما أسريتُ عبر الليلِ أحفر في القرارْ طبقاتِ ذاك الموتِ،
أتبعتُ الدفائنَ في السكونْ
أستنطق الموتى
أرى ما كان ثَمَّ وما يكونْ
وأَشمُّ رائحةَ السكونِ الكامل الأقصى
أُريدْ أنْ لا أُمثِّل من جديدْآلامَ تجربةِ العصورْ أنْ لا أُقَطَّع بالتوتّر،
أو أُسمَّر في الحضورْأبصرتُ آدمَ في تعاسته،
ورافقتُ الجيوشْ في أضخم الغزواتِ،
نئْتُ بحمل آلاف النعوشْ غنّيتُ آلافَ المواسمِ،
همْتُ في أرض الجمالْ
ووصلتُ أطرافَ المحالْ
ورأيتُ كيف تُدمَّر المدنُ المهيبة في الخفاءْشاهدتُ ما يكفي،
وكنتُ الشاهدَ الحيَّ الوحيدْفي ألف مجزرةٍ بلا ذكرى
،وقفتُ مع المساءْأَتأمّل الشمسَ التي تَحمّر
كان اليومُ عيدْ ومكبّراتُ الصوتِ قالت: كلُّ إنسانٍ هنا هو مُجرمٌ حتى يُقامَ على براءته الدليل
وسمعتُ أبواقَ الغزاةِ تضجُّ في الليل الطويلْ
ورأيتُ كيف تُشوَّه الأرواحُ جيلاً بعد جيلْ
وفزعتُ من لمعان مرآتي
: لعلّي كالمسوخ
مسخ تقنعه
ا لظلالْ
وعجبتُ منها دمعة في القلب
تأبى أن تسيلْ
والدمعُ مهما رقّ هل يكفي لمرثية الجمالْ ؟
الوقتُ أدرك رعشةً في الريح تعكسها الصخورْ
الوقتُ أدرك موجة تنداح من أقصى الدهورْ
الوقتُ أدرك لستُ وحدي
يعرف القلبُ الجسورْ أنّ الرؤى تمّتْ وأن الأفقَ يوشك
أن يدورْ
أنا في انتظار اللحظة العظمى
سينغلق المدارْ
سينغلق المدارْ
والساعةُ السوداء
سوف تُشَلّ تجمد في الجدارْ
أنا في انتظارْوالساعةُ السوداء تنبض
نبضَ إيقاعٍ بعيدْ رقّاصُها متأرجحٌ قَلِقٌ يميل إلى اليمينِ.إلى اليسارِإلى اليمينِ إلى اليسارِإلى اليسارْ .

مختارات الحديقة ....د. رجاء بن سلامة


حجاب المرأة قديما وحديثا
محاولة تفكيك وتحويل للأسئلة
(1من 4)
آيات حجب النّساء ودوافعها
د. رجاء بن سلامة*


سأحاول في هذا البحث أن أقوم بثلاث مهامّ، أولاها التّحقيق الفيلولوجيّ في جدول الكلمات التي تعني في القرآن حجاب المرأة، وهو تحقيق سيبيّن لنا أنّ حجاب المرأة ليس واحدا بل متعدّدا، وأنّ النّساء المعنيّات بالحجاب لسن صنفا واحدا بل أصناف. والمهمّة الثّانية هي عمليّة ترجمة داخل اللّغة العربيّة، أتحدّث بها عن الحجاب بمفاهيم لا ترد عادة في الخطاب التّفسيريّ والمعياريّ المحيط بـ"آيات الحجب"، أي بجهاز نظريّ يمكّننا من إحلال الحجاب، بشتّى معانيه، في إطاره من البنى العلائقيّة الاجتماعيّة. أمّا المهمّة الثّالثة، فهي عمليّة تحويل للأسئلة المطروحة عن الحجاب وانتقال من سؤال: "هل هو فريضة إسلاميّة أم لا؟" إلى سؤال: "ما علاقة حجاب النّساء بقيم المساواة والكرامة والحرية؟ هل يعوق هذا الشّيء الآتي من عمق التّاريخ ومن عالم الحريم والمقصورات، هل يعوق مواطنة المرأة ومساهمتها في المجال العامّ، وهل يحول دون بناء المساواة بين الجنسين؟
ولكنّ هذا الانتقال لا يجعل السّؤال الثّاني في قطيعة تامّة مع السّؤال الأوّل، فسؤالنا في نهاية المطاف هو: كيف نبني معياريّة جديدة تأخذ بعين الاعتبار أهمّيّة التّجربة الدّينيّة في حياة الفرد كما تأخذ بعين الاعتبار منظومة حقوق الإنسان، فنعيد مفصلة ما هو دينيّ وما هو دنيويّ؟ كيف نعتبر حقوق الإنسان "صيغة للعلاقات بين الأفراد لا فقط وسيلة للدّفاع عن الأفراد"؟
[i]

سأعود أوّلا إلى آيات "الحجب" لأبيّن التّعقّد والتّضاعف في الحجاب، ولأبيّن علاقة الحجاب بوضعيّة المرأة، والوظائف التي كان يؤدّيها.
فالحجاب في النّصّ القرآنيّ على نوعين: حجاب فضائيّ لامرئيّ يؤدّي وظيفة الفصل بين النّساء والرّجال، وحجاب جسديّ ثوبيّ مرئيّ يؤدّي وظيفة الإخفاء.
أمّا الحجاب الفضائيّ اللاّمرئيّ فهو موضوع "آية الحجاب" (الآية 53 من سورة الأحزاب)، وهي تختصّ بزوجات الرّسول: "وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ، وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إنّ ذلكم كان عند اللّه عظيما." وتؤكّد الأسباب المفترضة لنزول هذه الآية على فضائيّة مفهوم الحجاب، فهو يتعلّق بخروج أو عدم خروج النّساء من بيوتهنّ وبدخول أو عدم دخول الرّجال من غير المحارم عليهنّ. فالكثير من الرّوايات تقول "نزلت بسبب قوم طعموا عند رسول اللّه (ص) في وليمة زينب بنت جحش، ثمّ جلسوا يتحدّثون في منزل رسول اللّه (ص)، وبرسول اللّه إلى أهله حاجة، فمنعه الحياء من أمرهم بالخروج من منزله."
[ii] وبعض الرّوايات الأخرى تقول إنّ سبب نزولها أنّ "رسول اللّه (ص) كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، فكره ذلك رسول اللّه (ص)، فنزلت آية الحجاب."[iii] وتقول روايات أخرى "إنّ أزواج النّبيّ (ص) كنّ يخرجن باللّيل إذا تبرّزن إلى "المناصع" وهو صعيد أفيح، وكان عمر يقول: يا رسول اللّه أحجب نساءك، فلم يكن رسول اللّه يفعل. فخرجت سودة بنت زمعة، زوج النّبيّ (ص)، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة-حرصا أن ينزل الحجاب- قال: فأنزل اللّه الحجاب."[iv]
وهناك آية ثانية تخاطب زوجات الرّسول أيضا، وتشير إلى هذا الحجاب الفضائيّ، هي آية القرار في البيوت (أو القور أو الوقار، بحسب اختلاف التأويل لـ"قرن"): "...وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى..." (الأحزاب/32) وقد انفردت بإيرادها والاجتهاد في تفسيرها نظيرة زين الدّين في أوّل كتاب أفرد لمناهضة الحجاب والسّفور وصدر سنة 1928.
[v]

وقد تحدّث المفسّرون والمؤرّخون عن "نزول الحجاب" أو "ضرب الحجاب"، أي عن حدث ابتدأ به عزل نساء الرّسول عن الحياة العامّة، وكان ذلك فيما يبدو في السّّنة الخامسة للهجرة، في ليلة زواج الرّسول بزينب بنت جحش، بعد أن طلّقها مولى النّبيّ زيد بن حارثة، نزولا عند رغبة النّبيّ، وهذا الحدث هو الذي تذكره الكثير من روايات أسباب نزول آية الحجاب، كما سبقت الإشارة.
وقد درست الباحثة المغربيّة فاطمة المرنيسّيّ هذا الحدث دراسة دقيقة متأنّية
[vi]، إلاّ أنّ اهتمامها انصبّ على علاقة هذا الحدث بآداب الضّيافة والاستئذان وعلى رغبة النّبيّ في حماية حياته الخاصّة، فسار بحثها في نفس الاتّجاه الأخلاقيّ المعقلن الذي كانت تسير فيه التّفاسير القديمة، وأغفلت عاملين نعتبرهما أساسيّين في ضرب الحجاب، هما العامل المؤسّسيّ التّاريخيّ الذي يجعل الحجاب بنية من البنى الأبويّة الضّاربة في عمق التّاريخ، والعامل النّفسيّ المتعلّق بشخصيّة الرّسول وبرغباته ونزواته البشريّة.
فربّما أوهمنا حديث القدامى عن "نزول" أو "ضرب" الحجاب باستحداث الإسلام النّاشئ لهذه المؤسّسة، والحال أنّها أقدم من الإسلام، لأنّها وثيقة الصّلة بتقسيم الأدوار الاجتماعيّة بين الجنسين، الغالب على الثّقٌافات القديمة، والذي تبنّته الأديان التّوحيديّة لأسباب يضيق المجال عن شرحها، أهمّها الحفاظ على النّظام الأبويّ والأسرة الأبويّة القائمة على الزّواج. فالحجاب الفضائيّ يتطابق مع الفصل العتيق بين فضاءين: فضاء خاصّ تلزمه المرأة، وتنعزل فيه، وفضاء عامّ يتحرّك فيه الرّجل، لكي يقوم فيه كلّ من النّوعين الاجتماعيّين بأدوار خاصّة. وهذا الفصل كان صيغة تاريخيّة للعلاقات الاجتماعيّة بين الجنسين دعّمتها دينيّا أو جذّرتها "آية الحجاب". فمجال المرأة الذي يرسمه الحجاب هو القبّة أو الحجَلة
[vii]أو الخدر، أي المقابل لـفضاء le gynécée في الحضارة اليونانيّة القديمة، بما توحي به هذه الألفاظ من معاني الصّيانة والتّرف، بحيث أنّ "ربّات الخدور" و"ربّات الحجال" لسن النّساء الممتهنات المبذولات ولسن الإماء.
وممّا يدلّ على الطّابع المؤسّسيّ العتيق للحجاب الفضائيّ حدث "ضرب الحجاب" نفسه، ووجود المفهوم ذاته قبل الحدث، وتشبّث عمر بن الخطّاب به: يقول ابن كثير في مستهلّ تفسيره الآية : "هذه آية الحجاب، وفيها أحكام وآداب شرعيّة، وهي ممّا وافق تنزيلها قول عمر رضي اللّه عنه، كما ثبت ذلك في الصّحيحين عنه أنّه قال : وافقت ربّي في ثلاث فقلت: يا رسول اللّه لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلّى؟ فأنزل اللّه (واتّخذوا من إبراهيم مصلّى). وقلت : يا رسول اللّه إنّ نساءك يدخل عليهنّ البرّ والفاجر، فلو حجبتهنّ، فأنزل اللّه آية الحجاب. وقلت لأزواج النّبيّ (ص) لمّا تمالأن عليه بالغيرة: (عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ)، فنزلت كذلك..."
[viii]
ومن الأدلّة الأخرى على أهمّيّة العامل البنيويّ المؤسّسيّ في ما سمّي بضرب الحجاب، وعلى قدم الميل إلى عزل النساء عن الحياة إشارات بعض المصادر القديمة إلى بعض طقوس العبور المتعلّقة بالبنات اللاّتي أدركن سنّ البلوغ، والتي يطلق عليها اسم "التّشويف" أو "التّعريض" ففي اللّسان: "المعرّضة من النّساء: البكر قبل أن تحجب، وذلك أنّها تعرض على أهل الحيّ عرضة ليرغّبوا فيها من رغب، ثمّ يحجبونها. قال الكميت:
ليالينا إذ لا تزال تروعنا معرّضة منهنّ بكر وثيّب."
(لسان العرب، ع ر ض، وانظر ش و ف).
ولهذا الطّقس الدّالّ على ترسّخ مؤسّسة حجب النّساء عند العرب قبل الإسلام، صلة بالنّوع الثّاني من الحجاب، وهو الحجاب الجسديّ كما سنرى.
ومن هذه الأدلّة أيضا ما جاء في وصف أبي سفيان بن حرب في "طبقات ابن سعد"، فهو "عزّ عشيرته"، وهو "شديد الغيرة سريع الطّيرة، شديد حجاب القبّة".
[ix]


أمّا العامل النّفسيّ المتّصل برغبة الرّسول وبعلاقاته بالنّساء لا بالرّجال، فقد بيّنه منصور فهمي منذ بداية القرن الماضي، وبجرأة نادرة دفع ثمنها باهظا
[x]. فقد تحدّث عن "نوبات الغيرة"[xi] التي كانت تصيب النّبيّ، وتحدّث عن دور هذه الغيرة في تشريع الرّسول للآخرين واستثناء نفسه من التّشريع، من ذلك تحريمه نساءه على الرّجال من بعده في آية الحجاب نفسها. وبعد بضعة سنوات، وعلى نحو آخر، بيّن المحلّل النّفسانيّ فتحي بنسلامة تغيّر نوعيّة علاقات الرّسول بالنّساء بعد وفاة خديجة، وتغيّر "اقتصاده اللّيبيديّ" économie libidinale وانتقاله "من موقع تماه أنثويّ ينبني على استقبال الآخر إلى موقف قضيبيّ متماش مع المؤسّسة السّياسيّة لمدينة اللّه."[xii]
وليس بين العاملين التّاريخيّ البنيويّ والعامل النّفسيّ تعارض، فطبيعة علاقة الرّسول بالنّساء هي التي جعلته يذكّر بضرورة مراعاة الحجاب، ويلحّ عليه، ويسبغ عليه طابعا دينيّا.
أمّا الحجاب الجسديّ الثوبي، فهو في رأينا إحدى آليّات منع ظهور الأجساد الأنثويّة ومراقبة حركة خروجها، وهو أيضا إحدى آليّات الحدّ من مجالات "الاستعمالات المشروعة للجسد". وفي هذا الإطار تتنزّل آيتان تخاطبان جميع المسلمات: "آية الخمار": "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ" (النّور/ 30)، و"آية الجلابيب": "يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين". (الأحزاب/59).

* باحثة من تونس

(يتبع)

rajabenslama@yahoo.fr


[i] -انظر هذا التّصوّر في : Janos Kis : L’Egale dignité, trad du hongrois par G. Kassai,
Seuil, 1987.
[ii] - الطّبريّ : جامع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1997، ط2، 10/323.
[iii] -المرجع نفسه، 10/325.
[iv] -المرجع نفسه، 10/326.
[v] -زين الدّين نظيرة : السّفور والحجاب : محاضرات ونظرات مرماها تحرير المرأة والتّجدّد الاجتماعيّ في العالم الإسلاميّ، مراجعة وتقديم بثينة شعبان، دمشق، دار المدى 1998، ص ص 158-168.

[vi] Mernissi Fatima : Le Harem politique : le prophète et les femmes, Albin Michel, 1997.
[vii] -"حجلة العروس : معروفة، وهي بيت يزيّن بالثّياب والأسرّة والسّتور"، والحجل هو القيد أيضا، والمشي في القيد، وهو الخلخال أيضا. حجل، والأحجال : الخلاخيل والقيود. لسان العرب (ح ج ل).
[viii] -ابن كثير الحافظ : تفسير القرآن العظيم، تح محمّد إبراهيم البنّا، محمّد أحمد عاشور، عبد العزيز غنيم، القاهرة، دار الشّعب، د ت، 6/440-41.
[ix] -ابن سعد : الطّبقات، ص 1481، موقع الورّاق www.alwaraq.com
[x] - تعرّض منصور فهمي إلى هجوم شرس عند عودته إلى مصر، إثر حصوله على شهادة الدّكتوراه من السّوربون سنة 1913، ولم تدافع عنه السّلطات الجامعيّة، وأزيح عن التّدريس فيها، ثمّ عاد إلى الجامعة بعد ثورة 1919 لكنّه ألجم ولزم الصّمت.
[xi] -فهمي منصور : أحوال المرأة في الإسلام، كولونيا، منشورات الجمل، 1997، ص 20

[xii] -Benslama Fethi : « Le voile de l’Islam », Intersignes, n°11-12, printemps 1998. (La virilité en Islam), p66.
وقد عاد إلى هذه القضايا في :
: La Psychanalyse à l’épreuve de l’Islam, Paris, Aubier, 2002.

نقل الموضوع من موقع ضفاف الشرق الاوسط

Tuesday, December 28, 2004

مختارات الحديقة..............الدكتور علي الوردي

طبيعة المدنية
كان المفكرون الطوبائيون، ولا يزالون، يمدحون التعاون والتآخي واتفاق الكلمة. وامتلأت مواعظهم بذلك امتلاءا عجيباً. وهم قد اجمعوا على هذا الرأي بحيث لم يشذ فيه منهم أحد إلا في النادر.ونحن لا ننكر صحة هذا الرأي الذي يقولون به. فاتفاق الكلمة قوة للجماعة بلا ريب. ولكننا مع ذلك لا نستطيع أن ننكر ما للاتفاق من اضرار بالمجتمع البشري في الوقت ذاته.ان المجتمع البشري لا يستطيع ان يعيش بالاتفاق وحده. فلا بد ان يكون فيه شيء من التنازع أيضاً لكي يتحرك الى الامام.والقدماء حين ركزوا انتباههم على الاتفاق وحده، انما نظروا الى الحقيقة من وجهة واحدة وأهملوا الوجه الآخر. فهم بعبارة أخرى: قد أدركوا نصف الحقيقة. اما النصف الاخر منها فبقى مكتوما لا يجرأ أحد على بحثه.ان الاتفاق يبعث التماسك في المجتمع، ولكنه يبعث فيه الجمود أيضاً. فاتحاد الافراد يخلق منهم قوة لا يستهان بها تجاه الجماعات الاخرى. وهو في عين الوقت يجعلهم عاجزين عن التطور أو التكيف للظروف المستجدة.وقد أثبتت الابحاث الاجتماعية ان المجتمعات البدائية التي تؤمن بتقاليد الآباء والاجداد ايمانا قاطعا فلا تتحول عنها تبقى في ركود وهدوء ولا تستطيع ان تخطو الى الامام إلا قليلاً.وقد نجد في هذه المجتمعات الراكدة تنازعا عنيفا، هذا ولكن تنازعها قائم على اساس شخصي لا يمس التقاليد بشيء. كلهم مجمعون على التمسك بها لا يخرجون عنها قيد أنملة. وكثرا ما يكون تنازعهم ناشئا عن تنافسهم في القيام بتلك التقاليد ومحاولة كل منهم ان يتفوق على أقرانه فيها.ان التنازع الذي يؤدي الى الحركة والتطور يجب ان يقوم على أساس مبدأي لا شخصي. فالمجتمع المتحرك هو الذي يحتوي في داخله على جبهتين متضادتين على الاقل، حيث تدعو كل جبهة الى نوع من المبادىء مخالف لما تدعو اليه الجبهة الاخرى. وبهذا تنكسر"كعكة التقاليد" على حد تعبير بيجهوت. ويأخذ المجتمع اذ ذاك بالتحرك الى الامام.اذا رأيت تنازعا بين جبهتين متضادتين في مجتمع، فاعلم ان هاتين الجبهتين له بمثابة القدمين اللتين يمشي بهما.ومن الجدير بالذكر ان الحركة الاجتماعية لا تخلو من مساوىء رغم محاسنها الظاهرة. فليس هنالك في الكون شيء خير كله أو شر كله. فالحركة الاجتماعية تساعد الانسان على التكيف من غير شك. ولكنها في عين الوقت تكلف المجتمع ثمنا باهضا. اذ هي مجازفة وتقدم نحو المجهول. انها تؤدي الى القلق والتدافع والاسراف في أمور كثيرة. والانسان الذي يعيش في مجتمع متحرك لا يستطيع ان يحصل على الطمأنينة وراحة البال التي يحصل عليها الانسان في المجتمع الراكد. انه يجابه في كل يوم مشكلة. ولا يكاد ينتهي منها حتى تبغته مشكلة أخرى. وهو في دأب متواصل لا يستريح إلا عند الموت. ولا يدري ماذا يجابه بعد الموت من عذاب الجحيم!إن النفس البشرية تحترق لكي تنير باحتراقها سبيل التطور الصاحب.ابتلى الانسان بهذه المشكلة ذات الحدين. فامامه طريقان متعاكسان، وهو لابد أن يسير في أحدهما: طريق الطمأنينة والركود، أو طريق القلق والتطور.ومن المستحيل عليه ان يسير في الطريقين في آن واحد.يخيل الى بعض المغفلين من المفكرين ان المجتمع البشري قادر على ان يكون مطمئنا مؤمنا متمسكا بالتقاليد القديمة من جهة وان يكون متطورا يسير في سبيل الحضارة النامية من الجهة الاخرى. وهذا خيال غريب لا ينبعث إلا في أذهان اصحاب البرج العاجي الذين يغفلون عن حقيقة المجتمع الذي يعيشون فيه.يقول توينبي، المؤرخ المعروف، ان الصفة الرئيسة التي تميز المدنية عن الحياة البدائية هي الابداع. فالحياة يسودها التقليد بينما الابداع يسود حياة المدنية.من الممكن القول بأن المدنية والقلق صنوان لا يفترقان. فالبشر كانوا قبل ظهور المدنية في نعيم مقيم. لا يقلقون ولا يسألون: "لماذا؟". كل شيء جاهز بين أيديهم قد أعده لهم الآباء والاجداد، فهم يسيرون عليه ولسان حالهم يقول: "انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مهتدون".ان الاساس الذي تقوم عليه المدنية _كما يقول توينبي _ هو الكدح والشقاء والمعاناة. فالمناطق التي يسهل فيها اكتساب القوت، أو يلتقط فيه التقاطا، لا تستطيع ان تنتج مدنية، اذ هي تعود الانسان على الكسل والتسليم بالقدرة والتلذذ بالاحلام.ويأتينا توينبي بفلسفة ساخرة في هذا الصدد حيث يقول: ان الحكاية التي تذكرها التوراة حول اغراء الشيطان لآدم واخراجه من الجنة، هي في الواقع اقصوصة رمزية تشير الى ظهور المدنية وخروج الانسان من طور الحياة البدائية الى طور المدنية.يعتقد الشهرستاني ان الانسان يجب عليه ان يخضع للاوامر الربانية التي يأتي بها الانبياء والاولياء خضوعا تاما، فلا يسأل عن العلة فيها ولا يشك في حكمتها، فالجنة التي سكنها آدم من قبل، ولا تزال تسكنها الملائكة اليوم، هي موئل الطمأنينة واليقين، حيث يعيش أهلوها فيها "طاهرين سامعين مطيعين".وابليس يسأل ربه قائلا: "أليس بقاء العالم على نظام الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟. والغريب ان الملائكة سألوا ربهم مثل هذا السؤال فأجابهم الله قائلا: (إني أعلم ما لا تعلمون) فسكتوا.وجاء في الاحاديث القدسية ان الله قال: "انا الله لا آله إلا انا خلقت الشر وقدرته فويل لمن خلقت له الشر وأجريت الشر على يديه".يبدو من هذا ان الله "جل شأنه" قد تعمد خلق الشر وأجراه على أيدي الناس لسبب يعلمه هو. ولعله لم يشأ ان يعلم الملائكة اياه لئلا يفسدهم به.خلق الله آدم ثم سلط عليه ابليس قصدا وعمدا. فجعل الخير والشر متصارعين الى يوم يبعثون. فما هو السر في هذه المفارقة المقلقة؟.حاول بعض متصوفة الاسلام ان يجيبوا على هذا السؤال فقالوا ما معناه: ان الشيء لا يمكن معرفته إلا بواسطة نقيضه، فالنور لا يدرك إلا بالظلام، والصحة لا تعرف إلا بالمرض، والوجود لا يعرف إلا بالعدم، وان امتزاج هذه النقائض هو الذي انتج في رأي المتصوفة هذا الكون... وعلى هذا فان الانسان لا يستطيع ان يدرك الله الذي هو الحق إلا اذا عورض بالباطل.ومشكلة الشر تفسر عند المتصوفة على هذا الاساس. فالشر في نظرهم ضروري لوجود الخير. والانسان لا يدرك الخير إلا اذا كان الشر مقابلا له، كما انه لا يفهم النور إلا اذا كان وراءه ظلام.وقد ذهب ابن خلدون الى ما يقارب هذا الرأي الصوفي في مسألة الشر. فهو يقول: "قد لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير من أجل المواد فلا يفوت الخير بذلك على ما ينطوي عليه من الشر اليسير وهذا معنى وقوع الظلم في الخليقة فتفهم... ".والواقع ان هذا الرأي "الصوفي _ الخلدوني" يشبه الى حد بعيد نظرية هيگل المعروفة. ولعلنا لا نغالي اذا قلنا ان المتصوفة في الاسلام سبقوا هيگل في هذا بعدة قرون.ومن المؤسف ان نرى المفكرين الطوبائيين لم يعنوا بهذا الرأي ولم يلتفتوا اليه. فهم قد حاروا في مشكلة الشر في العالم وتجادلوا حولها طويلا ولكنهم لم يصلوا فيها الى نتيجة مرضية. ومعظم حلولهم التي جاءوا بها لا تخلوا من تعسف أو رقاعة.وعلة عجزهم في تفهم هذه المشكلة أو في حلها، هي انهم يجرون في تفكيرهم حسب منطق ارسطو طاليس القديم. وهذا المنطق يؤمن بقانون "عدم التناقض". فالشيء عندهم هو هو. أي انه قائم بذاته ومنفصل عن غيره.وبواسطة هذا التناقض والتفاعل بين الاشياء يتطور الكون وينمو، ويظهر منه كل يوم شيء جديد.عيب الطوبائيين انهم لا يؤمنون بالحركة والتطور. فالحركة في نظرهم أمر طارىء، والسكون هو الاصل في الكون. ولهذا فهم لا يستطيعون أن يفهموا سر الكون أو سر الحياة أو سر المدنية. ويظلون يتجادلون بلا جدوى!يعتقد السذج من المفكرين بان من الممكن تجزئة المدنية. أي انهم يظنون بانهم قادرون على تنقية المدنية من شقائها وقلقها مع الاحتفاظ بابداعها وتجديدها. وهذا رأي لا يستسيغه المنطق الحديث. فالمدنية كل لا يتجزأ. فان هي جاءت الى مجتمع جلبت معها محاسنها ومساوئها معا. ان من المستحيل الفصل بين حسنات المدنية وسيئاتها. والانسان مضطر حين يدخل باب المدنية ان يترك وراءه تلك الطمأنينة النفسية التي كانت تكتنفه في أيام مضت.والفكر البشري حين يتحرر ويخرج على التقاليد لا يستطيع ان يحتفظ بطابع اليقين على أية صورة. انه حين يشك في أمر واحد من أمور حياته لا يستطيع ان يقف في شكه عند هذا الحد. فالشك كالمرض المعدي لا يكاد يبدأ في ناحية حتى يعم جميع النواحي. والانسان اذ يكسر تقليد واحدا لابد أن يأتيه يوم يكسر فيه جميع التقاليد. وهو بذلك قد استفاد من جهة وتضرر من جهات أخرى.ومن هنا جاء قول القائل: "من تمنطق فقد تزندق".تتعرض التوراة الى شرح السبب الذي أدى الى طرد أبينا آدم من الجنة فتقول: ان آدم عاش في الجنة، هو وزوجته الحسناء، منعما سعيدا، لا يقلق باله غم ولا يعتوره شقاء، حتى جاء اللعين ابليس الى زوجته يغريها بأكل الشجرة المحرمة. وتصف التوراة هذه الشجرة بأنها "شجرة معرفة الخير والشر".حار رجال الدين في تعيين نوع هذه الشجرة المنحوسة التي طرح آدم بسببها من الجنة. فمنهم من قال: انها شجرة التفاح. ومنهم من قال: انها القمح. ومنهم من قال غير ذلك. والذي نلاحظه انها لم تكن تفاحا ولا قمحا، ولا بطيخا! انها بالاحرى شجرة رمزية تدعو آكلها الى الشك والتساؤل وتحرضه على البحث في مسالة الخير والشر والتمييز بينهما. وبعبارة أخرى: انها تشير الى مفهوم العصيان والتحلل والجرأة على الحرام. فلقد أمر الله آدم ان لا يقرب من الشجرة، كما يقول القرآن، ولكن آدم عصى أمر ربه فأكل منها. والمشكلة اذن تنحصر في عصيان الامر الرباني لا غير.لقد جاءت المدنية للانسان بخير عظيم ولكنها جاءت له أيضا بشر أعظم منه، فهي قد أطلقت الفكر من حبسه فأخذ يجوب الفضاء ويستفهم عن كل شيء وهي مع ذلك قد سارت بالفكر في طريق القلق والالتياث والعصيان. انها قد أطعمت البشر من شجرة معرفة الخير والشر، على حد تعبير التوراة. وهي بذلك قد أذاقتهم من ويلات الخير والشر قسطا كبيرا.لقد كان البشر قبل المدنية لا يفكرون وكانوا أيضا لا يقلقون، وقد يصح ان نقول: أن التفكير والقلق صنوان لا يفترقان.قال ابو الطيب المتنبي في احدى قصائده الخالدة:ذو العقل يشقى في النعيم بعقلهوأخو الجهالة بالشقـاوة ينعمان "البلاهة" العامة تجلب للناس الطمأنينة والسعادة _كما قلنا. وقالوا قديما: "السعيد هو الذي لا يملك لنفسه قميصا" وهم يقصدون بذلك: ان السعيد هو الذي لا يملك قميصا ولا يريد ان يكون له قميصا.اما ذلك الذي يريد القميص ولا يملكه فهو بؤرة الشقاء بلا شك، ومن هنا جاءت مشكلة المدنية الكبرى. فالمدنية معناها التكالب والتزاحم واستغلال الناس بعضهم لبعض. فظهر من بين الناس اذن طبقة مترفة تملك عدة قمصان: بينما يبقى كثير من الناس لا قمصان لهم. والناس قلقون عند ذاك اذا جاعوا واذا شبعوا. قيل: ان المتمدن اذا جاع سرق واذا شبع فسق. وهو في كلتا الحالتين شقي لا يقف شقاؤه عند حد. انه يركض وراء هدف، فاذا وصل اليه نسيه وابتكر له هدفا آخر يركض وراءه. فهو يركض ويركض الى غير نهاية _كمن يركض وراء سراب. انه يجدد ويبدع في كل يوم ولكن الجديد يصبح عنده قديما في اليوم التالي.اما البدائيون الذين يعيشون على الفطرة فهم اذا شبعوا حمدوا ربهم واذا جاعوا حمدوا ربهم كذلك. ومزيتهم انهم يشبعون جميعا ويجوعون جميعا. فليس بينهم متخوم ومحروم فالتنافس ممنوع عندهم إلا فيما يجلب منفعة للجميع. اما التكالب الفردي فهم يعدونه عيبا لا يجوز لانسان ان يتصف به.-------------------
المصدر:مهزلة العقل البشري............
عن موقع الموسوعة الاسلامية

مختارات الحديقة,,,,,,,آرثر جون آربري


آرثر جون آربري ترجمة : سعيد الغانمي
حياته
محمد بن عبد الجبار بن الحسن النّفري شخصية غامضة منتهى الغموض في تاريخ التصوف الإسلامي. ويبدو أنه ارتفع نجمه في النصف الأول من القرن الرابع الهجري. وقد توفي, استنادا إلى ما يقوله حاجي خليفة, في سنة 354 هـ. ويحظى هذا التاريخ لوفاته ببعض التأكيد من بيانات ترد في مخطوطة (غوطة) ومخطوطة القاهرة, عن مخل فاته الأدبي ة, فتشير بعض الكتابات إلى سنتي 352 و 353هـ, لكن هذا سرعان ما يبطل بذكر سنوات أخرى هي 359 و 360 و 361هـ فيما يخص أجزاء أخرى. وحتى يتم العثور على دليل آخر, يستحيل في الوقت الحاضر الجزم بحكم نهائي حول ما ذكره حاجي خليفة.
لسنا نعرف سوى القليل عن حياة النّفري, وهذا القليل مستمد بمجمله من أقوال شارحه عفيف الدين التلمساني (المتوف ى سنة 096 ه-). وها نحن نقتبس أقواله كاملة, اعتمادا على مخطوطة مكتب الهند:
(1) الورقة: 72 ب: «هذا مما يدل, على ما قيل, أن الذي ألف هذه المواقف هو ولد ولد الشيخ النّفري, رحمه الله, وليس هو الشيخ نفسه. إذ كان الشيخ لم يؤلف كتابا, إن ما كان يكتب هذه التنز لات في جزازات: [جذاذات] أوراق, نقلت بعده. فإنه كان مولها في النشرة المصرية: مؤلها لا يقيم بأرض, ولا يتعر ف إلى أحد.و ذكر إنه توف ي بأرض مصر في بعض قراها. والله أعلم بجلية أمره» انظر: التلمساني: شرح مواقف النّفري, نشرة: د. جمال المرزوقي, القاهرة, 1997, ص 259.
( 2 ) الورقة: 111 ب: «وإن ما أوجب هذا ما ن قل من أن الذي رتب هذه المواقف وأل ف ترتيبها, هو ابن بنت الشيخ, ولم يكن الشيخ هو الذي رتبها. ولو رتبها الشيخ لكانت على أحسن من هذا النظام,بحيث لا يكون شيء إلا مع ما يناسبه» ] ط القاهرة, ص 293.
( 3 ) الورقة: 149 بـ: «هذا يدل على أن الذي ألف هذه المواقف لم يكن هو النّفري, بل هو بعض أحبابه, وقيل: هو ابن بنته. فلا جرم لم يأت مرتبا ترتيب المقامات في نفس الأمر» ] ط القاهرة, ص 522.
سنهتم بسؤال الإعداد النهائي لمخطوطة «المواقف» لاحقا, أما هنا فحسبنا أن ننبه إلى احتمال كون النّفري متصوفا من نمط عام إلى حد ما, غير مكترث بأهم ي ته الخاصة, وغير مكترث حتى بما ستصير إليه تنزلاته الإلهية, سائحا وكاتبا مترسلا, لكنه كان, قبل كل شيء مفكرا أصيلا, مت قدا, ذا قناعة واضحة بأصالة تجربته.
اسمه
محمد بن عبد الجبار بن الحسن, على هذا تتفق جميع المصادر. لكن نسبته موضع خلاف, ومن المرجح أن مصدر هذا الخلاف وقوع تحريف وخطأ ارتكبه بعض النساخ, فن قل هذا التحريف, وظل ينسخ حتى أخذ به بعضهم.
وهذه هي صيغ كتابة نسبة المؤل ف: النّفري, النّفزي, النّفزي. ويكشف الفحص الدقيق لصفحة عنوان مخطوطة (غوطة) عن احتمال أن تكون الحركة أو النقطة الموضوعة على الحرف الأخير من النسبة مجرد علامة تزويق وتجميل للخط, في الأصل, فهي نقطة أصغر بكثير وأخفى, مثلا, من النقطة الموضوعة على الحرف الذي قبله. ولعل صفحة هذا العنوان هي مصدر جميع الأخطاء اللاحقة. فقد وقع ناسخ مخطوطة (ب) ]في مكتبة بودليان[ ضحية هذا الخطأ في عنوانه. وواصل, هو وناسخ مخطوطة (ت) ]في مكتبة بودليان أيضا [ هذا الخطأ في النص, ولكن في مناسبة واحدة فقط. وتقرأ مخطوطتا الهند والقاهرة أيضا نسبته على أنها:
النّفزي, أما المخطوطتان الأخريان, وهما (ل) ]في ليدن[ و(م) ]في بودليان[ فليس فيهما عنوان, وهما تكتبان في العادة: النّفري, في داخل النص.
يذكر محيي الدين بن العربي اسم المؤلف أربع مرات في كتابه «الفتوحات المكية» ويرد فيه دائما بصيغة: النّفري. وعلى هذه الصيغة يتابعه كتاب عرب كثيرون, مثل الشعراني وحاجي خليفة والقاشاني والذهبي والزبيدي. وعلى حد علمي, لم يتحدث أحد عن النّفزي سوى كاتب مخطوطة برلين (3218), وليس من شك في أن السبب في ذلك لا يخرج عن السبب لدى ناسخي المخطوطات (ب) و(أ) و(ق) و(ت).
و من بين الدارسين الغربيي ن, كان «بروكلمان» أو ل من آثر الاستقرار على صيغة النّفري, وإن كان يذكر صيغة النّفزي كبديل محتمل. وقد حذا حذوه «مرغليوث», الذي رجع إلى مخطوطات أ كسفورد, ولم يعترض «نكلسون» على ذلك. لكن «ماسنيون» أحيا صيغة النّفزي, لذلك لابد من تسوية هذا الخلاف القديم مرة واحدة وإلى الأبد.
ليس من شك في أن نسبة النّفري تشير إلى قرية «نفّر» في العراق. هذا ما ينص عليه الجغرافي ياقوت الحموي, والمعجمي الزبيدي, ويعتمد هذا الأخير في هذه النقطة على ابن يعقوب مصدرا له. وعن هذه القرية يقول ياقوت الحموي ما يلي:
»نفّر: بكسر أوله, وتشديد ثانيه, وراء: بلد أو قرية على نهر النرس من بلاد الفرس, عن الخطيب, فإن كان عنى إنه من بلاد الفرس قديما جاز, فأم ا الآن فهو من نواحي بابل بأرض الكوفة. قال أبو المنذر: إنما سمي نفّر نفرأ لأن نمرود بن كنعان, صاحب النسور, حين أراد أن يصعد إلى الجبال فلم يقدر على ذلك هبطت النسور به على ن ف ر, فنفرت منه الجبال, وهي جبال كانت بها, فسقط بعضها بفارس فرقا من الله, فظن ت أن ها أمر من السماء نزل بها. فلذلك قوله عز وجل: «و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال» (ابراهيم: 46). وقال أبو سعد السمعاني: نفر: من أعمال البصرة. ولا يصح قول الوليد بن هشام الفخذمي, وكان من أبناء العجم: حدثني أبي عن جدي قال: نفر: مدينة بابل, وطيسفون: مدينة المدائن العتيقة, والأبلة من أعمال الهند. وذكر أحمد بن محمد الهمذاني, قال: نفر: كانت من أعمال كسكر, ثم دخلت في أعمال البصرة. والصحيح أنها من أعمال الكوفة. وقد ن س ب إليها قوم من الكتاب الأجلاء وغيرهم.
قال عبيد الله بن الحر:
لقد لقي المرء التميمي خيلنا
فلاقى طعانا صادقا عند نفرا
و ضربا يزيل الهام عن سكناته
فما إن ترى إلا صريعا ومدبرا.
و تذكر مراجع عربية مهمة أخرى «نف ر» في المواطن التالية:
الطبري: التاريخ, ج 1, 747 -9, 3423 - 4, ج 2, 929.
ابن الأثير: الكامل, تحقيق: تورنبرغ, ج 1,244, ج 3, 307, ج 4, 332.
البكري: المسالك والممالك, تحقيق: وستنفيلد, 597.
و إلى جانب هذا الدليل, يمكن أن نضيف بينة أخرى من تذييل مخطوطة (ج), التي تعزو نسبة إضافية للمؤلف هي: العراقي. فإن لم يكن هذا كافيا, فإننا نقرأ الحكم المثير الآتي لدى التلمساني في شرحه للموقف الأربعين (مخطوطة مكتب الهند, الورقة: 97 ب):
؛ثم أخبره أنه الآن ينصرف من بين يديه, وهو قوله: (هو ذا تنصرف). ولفظة (هو ذا) لفظة عراقية ] النشرة المصرية وردت: لفظة عواقبه, ولا معنى لها, انظر: ص 349] . ولا عجب أن يكتب عراقي باللهجة العراقي ة, مهما بلغت كتاباته من درجات الاستلهام والتنزل.
و أخيرا هناك دليل؛المسيحيين الشرقيين» الذي يعطينا المعلومات التالية عن ن ف ر Naphar أي ن ف ر في ج 2, 1166:
»نفرا أو نفار أو نفر أو نيفر أو نيفار مدينة أسقفية أو إقليم كاثوليكي, ولكن ليس من السهل معرفة موقعها على وجه الدقة. ويمكن العثور على نفرايا والنيل في أكثر من موقع, وكذلك النيل والنعمانية وبدرايا. وبدرايا, التي هي «ديركوني» السريانية, و»دوركينا» العربية, مدينة قريبة من سلوقيا. وتقع النعمانية بين بغداد وواسط, ومن الواضح أن نفر والنيل تقعان في المنطقة ذاتها».[النص باللاتينية.]
وبخصوص النيل يكتب ياقوت الحموي ما يلي: «النيل اسم عدد من المواضع, أحدها ب ليدة في سواد الكوفة, قرب حلة بني مزيد, يخترقها خليج كبير يتخلج من الفرات الكبير, حفره الحجاج بن يوسف, وسماه بنيل مصر». وقد ورد ذكر النيل مرتين في مخطوطة (ج) ليشير في الموضعين إلى أن بعض الأجزاء من مؤلفات النف ري قد كتبت هناك. وهذا دليل إثبات من درجة عالية جد ا.
لقد أ عيد اكتشاف نف ر في الأزمنة الحديثة. وأفلحت بعثة استكشافية أرسلتها جامعة بنسلفانيا بالقيام بتنقيبات مهمة في الموقع الذي عي ن فيه المكان تقليديا, ونشر تقرير عن عمل البعثة عام 1897 بقلم ج. ب. بيترز. وقدم لنا التقرير وصفا ممتازا للحالة الحاضرة لنفر, وفيما يلي الفقرة المهمة التي تحمل موضوع نقاشنا:
؛تبي ن البقايا اليهودية الغزيرة من نفر( Ni ppur) خلال الحقب البارتية والساسانية والعربية القديمة الدور الذي لعبه هؤلاء في هذا المكان, ولم نجد أي أثر للمسيحيين, لكن المؤرخين العرب, كما ينقل راولنسن, يذكرون أن نفر كانت أسقفية مسيحية في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي».
وكان راولنسن قد طابق مطابقة تامة بين نفر ونيبور منذ زمن طويل حين كتب قائلا:
»في نفر الحديثة قد نتعرف على نوفير (Nopher التلمودية, ونيبر Nipur ) الآشورية التي هي نفرو(Nifru = نمرود) وقد حصل إبدال في حرفيها الأخيرين. وكانت شهرة نمرود ذائعة دائما في البلاد التي وقعت تحت نفوذه. ويسجل العرب عددا من الأحاديث المتميزة التي لعب فيها دورا بارزا. وليس من شك في أن إطلاق الفلكيين العرب اسم «الجبار» أو «العملاق» على كوكبة «أوريون» إنما جاء من باب تضخيمه وتأليهه».
ولم تسفر محاولات مطابقة أخرى عن جدوى كبيرة. لقد رغب راولنسن أن يجد في «نفر» مدينة «بيبيلي» الأغر يقية التي ذكرها بطليموس, وكان ذلك مجرد تخمين عشوائي. وطابق أيضا بينها وبين «كلنة» المذكورة في (سفر التكوين 10:10), غير أن هذه النتيجة أهملت من لدن العموم في الوقت الحاضر. ويقول راولنسن إن نفر هي نفسها «عفار» أو «أوار» لدى البابليين.
يبقى إذن أن نستخلص أن نفر هي المدينة البابلية المهمة «نيبر» بعينها, التي سقطت في أزمنة النحس, وكان قد حكمها حكام متتابعون, وظلت مكانتها تتناقص بالتدريج, حتى اختفت, سواء أكان ذلك نتيجة الجدب وحده أم نتيجة كارثة طبيعية, من ذاكرة الناس, ليستعيدها بعد قرون متطاولة مغامرون جاءوا من المحيط الأطلسي. وهكذا هي مصائر الناس والامبراطوريات, ترتبط ارتباطا حميما وتتشرذم تشرذما مطلقا.
هذه هي نفر إذن. ولابد أن النفري, إذا سل منا أنه كان من أهلها أو اتصل بها على نحو ما, قد استلهم من وحي تاريخها الغريب, المنقسم بين مجدها الغابر ووحشتها الحاضرة, إذ لم تعد توجد سهولها التي كانت تضج بالمسير المنضبط للجيوش الشبحية ولم تعد معابدها المهدمة مسرحا لرقصات لا يتذكرها الآن أحد, ولم تعد صيحات أهل أسواقها وخفة سكانها تعكر صفو شوارعها الصامتة.وحين كانت النجوم تسطع خفيضة في الليل, ويعيد حزام «أوريون» الوهاج إلى البال أساطير العملاق الذي أوغل في طموحه, كان هذا السائح المتوحد يجد القوة والعزاء في رؤية الله الواحد الحق الذي يعوض حبه عن كل محبوب فان يضمه هذا العالم. فإلى ذكرى تقواه وإخلاصه الذي مازال حيا, نحن الذين عشنا بعد مرور ألف سنة على وفاته, بعد أن بحثنا في مكتبات أوروبا وأفريقيا ن هدي الآن هذه الطبعة من كتاباته وترجماتها.
كتاباته
استنادا إلى شارحه التلمساني الذي أتينا على ذكر أقواله كاملة, لم يكن النف ري هو المسؤول عن ترتيب «المواقف» ووضعها بهذا التأليف. وقد كرر التلمساني هذا التأكيد ثلاث مرات في سياق شرحه: وبرغم أن هذا الحكم يصدر في الحالات الثلاث لتوضيح وجهة نظر الشارح بأن المقاطع هناك منتزعة من سياقاتها الصحيحة, فإن تكراره يدل بالتأكيد على صدق حكمه. وفي الحقيقة حتى لو لم يصدر هذا القول عن التلمساني, فإننا نجد أنفسنا مسوقين إلى الاعتقاد بأن العمل, كما وصل لنا, لا ينتمي إلى النف ري على نحو تام, بل إن شكله الأدبي يدل على تدخل يد أخرى فيه. ولم يكن من النادر أن يتدخل أتباع الشيوخ الممي زين لتحرير كتابات أشياخهم بعد وفاتهم. ومن المستحيل البت ما إذا كان ابن النفري أو حفيده هو المسؤول في هذه الحالة عن تحرير كتاباته من دون دليل آخر, ولكن من المهم أن نتذكر دائما أن النف ري لم يكلف نفسه عناء جمع كتاباته.
وبالإضافة إلى «المواقف» لدينا كتابات أخرى منسوبة للنفري. ومن بين هذه الكتابات, فإن أكبرها وأهمها هو كتاب «المخاطبات» الذي يرد في ثلاث مخطوطات فقط, هي: (ج) و(ق) و (م). وتتكو ن هذه الكتابات من سلسلة من الإستلهامات والتنزلات المشابهة في مادتها ل-؛المواقف», ولكنها تبدأ بعبارة: «يا عبدي», بدلا من عبارة: «أوقفني وقال لي».و لا يحيط الشك بصحة نسبتها له, إذ يشير إليها النفري نفسه في الموقفين: 63, الفقرة 11, و66 الفقرة 1. ولا يمكن المبالغة في تقدير أهمية هذه المادة الإضافي ة.فإذا كانت «المواقف» تحمل آثارا واضحة على بصمة تنقيح أدبي, فإن لـ «المخاطبات» مظهرا لا تخطئه العين من صحة الإسناد والبدائي ة. ولم تتم محاولة وضع ترتيب لهما, بالرغم من أن العناوين في مخطوطة (م) قد أعطيت بصورة: «مخاطبات الأولياء», وهذا ما يذكرنا بـ «المواقف».
وتحتوي المخطوطات (ج) و(ق) و(م) على زيادة مقحمة في نص المواقف مباشرة بعد الموقف 63, بعنوان: «مخاطبة وبشارة وإيذان الوقت». وأخذا بظواهر الأشياء من المستبعد أن تصح نسبتها إليه, فهي عن موضوعة المهدي, وبالرغم من أنها تنسجم في المحتوى والأسلوب مع قطعتين أخريين في نص المواقف فإن من السهل الافتراض بأن القطع الثلاث زيادات أقحمتها يد أخرى, ولم تكن في نص النفري الأصيل. ويقوى هذا الافتراض بكون القطعتين في المواقف تقطعان, حيث وردتا, الترتيب الأدبي للنص على نحو لا مبرر له. ولم يكن النفري معنيا بدعاوى المهدوية, لأن ملكوته لم يكن في هذا العالم, بل في العالم الآخر.
وتقدم لنا المخطوطتان (ج) و(م) بعد الموقف 75 موقفا إضافي ا لا نجده في بقية المخطوطات, وهو: «موقف الإدراك». ولا يبدو أن هناك داعيا للشك في صحة نسبته, إذ ليس فيه شيء غريب على النفري. وقد أضفنا هذا الموقف والزيادة المقحمة التي أشرنا إليها في المقطع السابق في آخر النص العربي.
يبقى أن نناقش عنوان الكتاب. سنتعر ض فيما بعد لمعنى مصطلح الموقف, غير أن من المفيد أن نلاحظ بعض التغييرات الطفيفة في عنوان الكتاب. فالمخطوطات على العموم تسميه «كتاب المواقف» فقط, باستثناء مخطوطة (م) التي تسم يه «كتاب المواقف مع الحق على التصوف». ويميل الكتاب العرب على العموم إلى إطلاق هذه التسمية الوجيزة عليه, باستثناء ابن العربي الذي يسميه في موضع: «كتاب المواقف والقول». ونحن نؤثر أن نتابع ما درج عليه كثرة الكتاب العرب ونسم يه: «كتاب المواقف».
شهادات عنه
ابن عربي
جاء ذكر النفري أو أحيل إليه خمس مر ات في «الفتوحات المكي ة» كالآتي:
1- «أم ا اعتبار الآن الفاصل بين الوقتين, فهو المعنى الفاصل بين الاسمين, اللذين لا ي فهم من كل واحد منهما اشتراك, فظهر حكم كل اسم منهما على الانفراد. وهو حد الواقف عندنا: فإن الإنسان السالك إذا انتقل من مقام قد احتكمه وحصله تخل قا وخلقا وذوقا, إلى مقام آخر يريد تحصيله أيضا يوقف بين المقامين: عن حكم المقام الذي انتقل عنه, وعن حكم المقام الذي يريد الانتقال إليه, يعرف في تلك الوقفة بين المقامين, وهو كالآن بين الزمانين, آداب المقام الذي ينتقل إليه, وما ينبغي أن يعام ل به الحق. فإذا أ بين له عنه, دخل في حكم المقام الذي انتقل إليه على علم... وقد بي ن ذلك محمد بن عبد الجبار النف ري في كتابه الذي سم اه ب- «المواقف والقول» وقفت على أكثره. وهو كتاب شريف يحوي على علوم آداب المقامات. يقول في ترجمة الموقف اسم الموقف. يقول في انتقاله إلى «موقف العلم» _ مثلا _ وهو من جملة مواقفه في ذلك الكتاب, فقال: موقف العلم, ثم قال: أوقفني في موقف العلم, وقال لي: يا عبدي, لا تأتمر للعلم, ولا خلقتك لتدل على سواي...إلى أن ينتهي إلى جميع ما يوقفه الحق عليه. فإذا عرف حينئذ, يدخل إلى ذلك المقام, وهو يعرف كيف يتأدب مع الحق في ذلك المقام...فهذا هو الآن الذي بين الصلاتين»
(طبعة القاهرة, 1293,ج1, ص505, ط دار إحياء التراث العربي, بيروت,ج1, ص486).
2- «وأما من اعتبر المرض بالميل, فهو المذهب الذي ينطلق عليه اسم مرض, وهو مذهب محمد بن عبد الجبّار النف ري, صاحب المواقف من رجال الله» (طبعة بولاق, ج1,ص771,ط بيروت,ج1, ص739).
3- «والواقفية أرباب المواقف, مثل محمّد بن عبد الجبار النفّري, وأبي يزيد البسطامي. قال ] واصفا التوبة[: هي غيبية, آثارها حسية» (ط بولاق, ج2, ص187, ط إحياء, ج2, ص139).
4- «واعلم أنه ما من منزل من المنازل, ولا منازلة من المنازلات, ولا مقام من المقامات, ولا حال من الحالات, إلا وبينهما برزخ يقف العبد فيه يسمى: الموقف. وهو الذي تكلم فيه صاحب «المواقف» محمد بن عبد الجبار النفّري - رحمه الله - في كتابه المسمى بـ «المواقف», الذي يقول فيه: أوقفني الحق في موقف كذا. فذلك الاسم الذي يضيفه إليه هو المنزل الذي ينتقل إليه أو الحال أو المنازلة, إلا قوله: أوقفني في موقف وراء المواقف.فذلك الموقف م سم ى بغير اسم ما ينتقل إليه. وهو الموقف الذي لا يكون بعده ما يناسب الأول. وهو عندما يريد الحق أن ينقله من المقام إلى الحال, ومن الحال إلى المقام, ومن المقام إلى المنزل, ومن المنزل إلى المنازلات, أو من المنازلات إلى المقام.
وفائدة هذه المواقف أن العبد إذا أراد الحق أن ينقله من شيء إلى شيء يوقفه ما بين ما ينتقل عنه وبين ما ينتقل إليه, فيعطيه آداب ما ينتقل إليه, ويعل مه كيف يتأدب بما يستحقه من ذلك الأمر الذي يستقبله. فإن للحق آدابا لكل منزل ومقام وحال ومنازلة, إن لم يلزم الآداب الإلهية العبد فيها, وإلا ط رد. وهو أن يجري فيها على ما يريده الحق من الظهور بتجل يه في ذلك الأمر أو الحضرة من الإنكار أو التعريف. فيعامل الحق بآداب ما تستحق ه. وقد ورد الخبر الصحيح في ذلك في تجل يه سبحانه في موطن التلبيس, وهو تجل يه في غير صور الاعتقادات, فلا يبقى أحد يقبله, ولا يقربه, بل يقولون إذا قال لهم: أنا ربكم: نعوذ بالله منك. فالعارف في ذلك المقام يعرفه. غير أنه قد علم منه, بما أعلمه, أنه لا يريد أن يعرفه في تلك الحضرة, من كان هنا مقيّد المعرفة بصورة خاصة يعبده فيها. فمن أدب العارف أن يوافقهم في الإنكار, ولكن لا يتلف ظ بما تلفظوا به من الاستعاذة منه, فإنه يعرفه. فإذا قال لهم الحق في تلك الحضرة, عند تلك النظرة: هل كان بينكم وبينه علامة تعرفونه بها ? فيقولون: نعم. فيتحول لهم سبحانه في تلك العلامة, مع اختلاف العلامات. فإذا رأوها, وهي الصورة التي كانوا يعبدونه فيها, حينئذ اعترفوا به. ووافقهم العارف بذلك في اعترافهم, أدبا منه مع الله وحقيقة, وأقر له بما أقرت الجماعة.
فهذه فائدة علم المواقف. وما ثم منزل ولا مقام _ كما قلنا _ إلا وبينهما موقف, إلا منزلان أو حضرتان أو مقامان أو حالان أو منازلتان ]الصحيح في كل هذه الحالات الاستثناء بالنصب: منزلين... إلخ] كيف شئت قل, ليس بينهما موقف. وسبب ذلك إنه أمر واحد, غير أنه يتغير على السالك حاله فيه, فيتخيل أنه قد انتقل إلى منزل آخر, أو حضرة أخرى, فيحار لكونه لم ير الحق أوقفه, والتغيير عنده حاصل, فلا يدري هل ذلك التغير الذي ظهر فيه هو من انتقاله في المنزل, أو انتقاله عنه. فإن كان هنالك عارف بالأمر عرفه, وإن لم يكن له أستاذ بقي التلبيس. فإنه من شأن هذا الأمر أن لا يوقفه الحق, كما فعل معه فيما تقدم, وكما يفعل معه فيما يستقبل. فيخاف السالك من سوء الأدب في الحال الذي يظهر عليه, هل يعامله بالأدب المتقدم, أو له أدب آخر ? وهذا لمن أوقفه الحق من السالكين.
فإذا لم يوقفه الحق في موقف من هذه المواقف, ولم يعطه الفصل بين ما ينتقل إليه وعنه, كان عنده الانتقالات في نفس المنزل الذي هو فيه. فإنه ما ثم عند صاحب هذا الذوق إلا أمر واحد, تكون فيه الانتقالات, وهو كان حال المنذري, صاحب «المقامات», وعليها بنى كتابه المعروف بـ «المقامات», وأوصلها إلى مائة مقام في مقام واحد, وهو المحب ة. فمثل هذا لا يقف ولا يتحير, ولكن يفوته علم جليل من العلم بالله وصفاته المختصة بما ينتقل إليه, فلا يعرف المناسبات من جانب الحق إلى هذا المنزل. فيكون عنده علم إجمال, قد تضم نه الأمر الأول عند دخوله إلى هذه الحضرات. ويكون علم صاحب المواقف علم تفصيل, ولكن يعفى عنه ما يفوته من الآداب, إذا لم تقع منه, وتجهل فيه, ولا يؤثر في حاله, بل يعطي الأمور على ما ينبغي, ولكن لا يتنزل منزلة الواقف. ولا يعرف ما فاته, فيعر فه الواقف, وهو لا يعرف الواقف.
فلهذا المنزل الذي نحن فيه موقف يجهل, بل يحار, فيه صاحب المواقف, لأن المناسبة بين ما يعطيه الموقف الخاص به وبين هذا المنزل بعيدة مما بنى المنزل عليه. وكذلك الذي يأتي بعده, غير أن النازل فيه, وإن كان حائرا, فإنه يحصل له من الموقف في تلك الوقفة, إذا ارتفعت المناسبة بين المنزل والوقفة, أن المناسبة ترجع بين الوقفة والنازل, فيعرف ما تستحقه الحضرة من الآداب مع ارتفاع المناسبة, فيشكر الله على ذلك.
فصاحب المواقف متعوب, لكنه عالم كبير. والذي لا موقف له مستريح في سلوكه غير متعوب. ورب ما إذا اجتمعا, ورأى من لا موقف له حال من له المواقف, ينكر عليه ما يراه فيه من المشقة, ويتخيل أنه دونه في المرتبة. فيأخذ عليه ذلك, ويعتبه فيها, ويقول له: الطريق أهون من هذا الذي أنت عليه, ويتشيخ عليه, وذلك لجهله بالمواقف. وأما صاحب المواقف فلا يجهله, ولا ينكر عليه ما عامله به من سوء الأدب, ويحمله فيه, ولا يعر فه بحاله, ولا بما فاته من الطريق. فإنه قد علم أن الله ما أراده بذلك, ولا أهله, فيقبل كلامه. وغايته أن يقول له: يا أخي سلم الي حالي كما سلمت إليك حالك, ويتركه. وهذا الذي نب هتك عليه من أنفع ما يكون في هذا الطريق لما فيه من الحيرة والتلبيس, فافهم (ط بولاق, ج- 2, ص 805, ط بيروت, ج- 2, ص 599).
5- في هذه الفقرة يشير ابن عربي إلى «صاحب المواقف» في موضوع قول الصوفي «قال لي, وقلت له», إذا «لم يروا في الوجود غير الله» (ط بولاق, ج- 2, ص 827, ط بيروت, ج- 2, ص 614).
الشعراني
الطبقات الكبرى, ج- 1, ص 175 (ط القاهرة 1343 هـ/ 1925 م):
«الشيخ محمد بن عبد الجبار النّفري رحمه الله: كان من أهل القرن الرابع, رضي الله عنه, ولكن هكذا وقع لنا ذكره, وإن كنا لم نلتزم ذكرهم على ترتيب الزمان. وكان له, رضي الله عنه, كلام عال في طريق القوم: ]المتصو فة[, وهو صاحب «المواقف». نقل عنه الشيخ محيي الدين بن العربي, رضي الله عنه, وغيره. وكان إماما بارعا في كل العلوم. ومن كلامه رضي الله عنه في «المواقف» يقول الله عز وجل: «كيف لا تحزن قلوب العارفين ? وهي تراني أنظر إلى العمل, فأقول لسيئه: كن صورة تلقى بها عاملك, وأقول لحسنه: كن صورة تلقى بها عاملك».
وكان يقول:
»قلوب العارفين تخرج إلى العلوم بسطوات الإدراك, وذلك كفرها, وهو الذي ينهاها الله عنه».
وكان يقول, كأن الحق تعالى يقول:
»إذا تعل ق العارف بالمعرفة وادعى إنه تعلق بي, هرب من المعرفة, كما هرب من النكرة».
وكان يقول: كأن الحق تعالى يقول لقلوب العارفين:
»أنصتوا, واصمتوا, لا لتعرفوا, وإن ادعيتم الوصول إلي فأنت: ]فأنتم [ في حجاب بدعواكم, ووزن معرفتكم كوزن ندمكم. فإن عيونكم ترى المواقيت, وقلوبكم ترى الأبد. فإن لم تستطيعوا أن تكونوا من وراء الأقدار, فكونوا من وراء الأفكار».
وكان يقول:
»التقطوا الحكمة من أفواه الغافلين عنها, كما تلتقطونها من أفواه العامدين لها. فإنكم ترون الله وحده في حكمة الغافلين, لا في حكمة العامدين».
وكان يقول:
»حق المعرفة أن تشهد العرش وحملته, وما حواه من كل ذي معرفة يقول بحقائق إيمانه: ليس كمثله شيء. وهو, أي العرش, في حجاب عن ربه. فلو رفع الحجاب لاحترق العالم بأسره في لمح البصر, أو أقرب».
وكان يقول:
»لا تفارق مقامك, ] أو [ يميد بك كل شيء. وليس مقامك إلا رؤيته تعالى. فإذا دمت على رؤيته, رأيت الأبد بلا عبارة. إذ الأبد لا عبارة فيه, لأنه وصف من أوصاف الله عز وجل. لكن لم اسبح الأبد, خلق الله من تسبيحه الليل والنهار».
وكان يقول:
»إذا اصطفيت أخا, فكن معه فيما أظهر, ولا تكن معه فيما أسر. فإن ذلك من دونك سر, فإن أشار إليه فأشر إليه, وإن أفصح به فأفصح عنه».
وكان يقول, كأن الحق تعالى يقول:
»اسمي وأسمائي عندك ودائعي, لا تخرجها, فأخرج من قلبك. فإذا خرجت من قلبك, عبد ذلك القلب غيري, وأنكرني بعد المعرفة, وجحدني بعد الإقرار. فلا تختر: ]تخبر[ باسمي, ولا بمعلوم اسمي, ولا تحد ث من يعلم اسمي, ولا بأنك رأيت من يعرف اسمي, وإن حدثك عن اسمي, فاسمع منه, ولا تخبره أنت».
وكان يقول:
؛علامة الذنب الذي يغضب الله عز وجل أن ي عق ب صاحبه الرغبة في الدنيا, ومن رغب فيها فقد فتح بابا إلى الكفر بالله عز وجل, لأن المعاصي بريد الكفر. وكل من دخل ذلك الباب, أخذ من الكفر بقدر ما دخل».
والله تعالى أعلم. وقد ذكرنا جملة صالحة من كلامه في «مختصر المواقف», والله تعالى أعلم».
حاجي خليفة
كشف الظنون (تحقيق: فلوجل, جـ 5, ص 235, ت 13355):
»المواقف» في التصوف, للنف ري, وهو الشيخ محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري, الصوفي, توفي سنة 354 هـ. وعليه شرح للتلمساني (عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله) الأديب, الصوفي, توفي سنة 690 هـ. ويأتي الشرح بعد المتن, وأو له: الحمد لله رب العالمين. ويبدأ بشرح موقف الغر: [العز].
القاشاني
لطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام, مادة «موقف»:
»الموقف هو نهاية كل مقام, وهو استيفاء حقوق المراسم, كما بينت هنا. وهو مقام الموقف أيضا: الذي هو الحبس بين المقامين, لأن غرض الصوفي من الاتحاد هو ما يبقى فيه من إصلاح المقام الذي حصل فيه الترقي, وأيضا لأن غرض استيفائه هو ما يحتاجه عند دخول المقام الذي يحصل فيه الترقي. والمواقف: جمع موقف, وهو موضع الوقفة, كما بينت. وقد جمعت هذه المواقف في كتاب اسمه: «المواقف النفرية», منسوب للشيخ محمد بن عبد الجبار النفري, جمع فيه المقامات من خلال الوقوف بين مقامين. لهذا السبب عنون كل مقطع منه بهذه الكلمات: أوقفني وقال لي».
الذهبي
المشتبه (ذكره دي غويه: دليل المخطوطات الشرقية في ليدن):
النفري, محمد بن عبد الجبار, صاحب «المواقف» والادعاءات والبدع.
الحكمة الصوفية
أهم ما يتسم به فكر النفري هو مذهبه في الوقفة. وقد مر بنا التأويل الذي نسبه ابن العربي لهذا المصطلح الفني: غير أن النبذة المقنعة فيه مستمدة إلى حد كبير من التمعن في القطع التي يحاول فيها النفري نفسه أن يوضح ما المقصود بالوقفة. والموقف الثامن بمجمله هو بالطبع الشاهد الكلاسيكي على موضوع الوقفة, وينصرف اهتمام القارئ انصرافا كاملا لذلك الموقف, لأنه يحتوي على جوهر تعاليم النفري.
الوقفة
الوقفة ينبوع العلم,حيث يستمد الواقف علمه من تلقاء نفسه, بينما يستمده غير الواقف من غيره. وللوقفة مطلع على كل علم, وليس لعلم عليها مطلع. الوقفة روح المعرفة, والمعرفة روح الحياة. فالوقفة عمود المعرفة, مثلما أن المعرفة عمود العلم. في الوقفة تحترق المعرفة مثلما يحترق العلم في المعرفة. والوقفة وراء البعد والقرب, والمعرفة في القرب, والعلم في البعد. لأن الوقفة حضرة الله, والمعرفة خطابه, والعلم حجابه. إذن لدينا: الوقفة [المعرفة] العلم.
الوقفة باب الرؤية, وهي تعتق من رق الدنيا والآخرة. إنها نور الله الذي لا يجاوره الظلم. إنها يد الله الطامسة التي ما أتت على شيء إلا طمسته, ولا أرادها شيء إلا أحرقته. إنها أيضا ريح الله التي من حملته بلغ إليه. لكنها, مع ذلك, لا تفضي إلى الله كما لا تفضي المعرفة إليها, ولا العلم للمعرفة. لأنها جوار الله, والله غير الجوار. ولو صلح لله شيء صلحت الوقفة, ولو أخبر عن الله شيء, أخبرت الوقفة. الوقفة تمحو الخواطر بنوريتها وتعرف الأقدار. إنها نار السوى, ونار الكون. إنها انبثاق من الحرف, ونار تحرق المعرفة,لأنها تبي ن أن المعرفة سوى. الوقفة تنفي ما سواها, كما ينفي العلم الجهل. وبينما ترى المعرفة الله ونفسها, ترى الوقفة الله فقط. المعرفة حد ما يقال, والوقفة وراء ما يقال. لو خرج الصوفي عن الوقفة التي تقربه من الله, لانتهبته المكونات. إن الوقفة مستحيلة حقا, ما دام للسوى جاذب, لكنها توضح حد السوى, حتى يخرج الصوفي عن السوى.
الواقف
لا يصلح الواقف على العلماء, ولا تصلح العلماء عليه. والعارف يشك في الواقف, ولا يقدر قيمته حق قدرها, لكن الواقف لا يشك في العارف. والواقف وحده يجمع بين العلم والحكم, لأنه يرى العلم ولا يروقه الحسن, ولا يروعه الروع. وكل واقف عارف, وما كل عارف واقف. يخبر الواقف عن الله, ويخبر العارف عن المعرفة. وقلب الواقف على يدي الله, وقلب العارف على يد المعرفة. والعارف ذو قلب, والواقف ذو رب. وإذا نزل البلاء تخطى الواقف, ونزل على معرفة العارف وعلم العالم. والعالم في الرق, والعارف مكاتب, والواقف حر. لأن الواقف فرد والعارف مزدوج, والعارف يعرف ويعرف, والواقف يعرف ولا ي عر ف. والعالم يرى علمه ولا يرى المعرفة, والعارف يرى المعرفة ولا يرى الله, والواقف يرى الله ولا يرى سواه. يخبر العالم عن العلم, ويخبر العارف عن المعرفة, ويخبر الواقف عن الله.يخبر العالم عن الأمر والنهي وفيهما علمه, ويخبر العارف عن حق الله وفيه معرفته, ويخبر الواقف عن الله وفيه وقفته. يرى الواقف ما يرى العارف في معرفته, ويرى العارف ما يرى العالم في علمه. إذا وقف الإنسان بالله أعطاه الله العلم فكان أعلم به من العالمين, وأعطاه المعرفة فكان أعرف بها من العارفين, وأعطاه الحكم فكان أقوم به من الحاكمين. يرى العارف مبلغ علمه, والواقف وراء كل حد ومبلغ. لأن للعارف أخبار الله وللواقف وجهه.
لا يستقر الواقف عند شيء حتى يصل الله, فلا يتسع له شيء, ولا ينسجم معه شيء. لو تعلق قلبه بالسوى, فلن يكون واقفا, ولو كان السوى في قلبه, فلن يكون دائما. لأن الواقف وحده هو الدائم, والدائم وحده هو الواقف. ولا يعرف الواقف المجاز, لذلك ليس بينه وبين الله حجاب. والواقف بحضرة الله يرى المعرفة أصناما ]هكذا في الترجمة الانجليزية, وفي الأصل العربي: أصنافا, ولعله خطأ طباعي[ ويرى العلوم أزلاما. يموت جسم الواقف ولا يموت قلبه. ولا يرى حقيقة إلا الواقف. وهو وحده الذي يدنو من معرفة الله, لأن الله لن ي عرف أبدا معرفة كاملة. ويكاد الواقف يفارق حكم البشرية, ولا يأتلف به الزمان والحدثان. وهو قد عبر صفة الكون فما ي حكم عليه.فليس للكون حكم عليه, إذ لا يستقر في الكون, ولا الكون فيه. ولو انفصل عن الحد شيء انفصل الواقف. لأنه لا يقبله الغيار ]لا يؤثر فيه التغير[ ولا تزحزحه المآرب. وقد يوجد فيه كل شيء, ولا يوجد في شيء. وهو أقرب إلى الله من كل شيء.
لقد أصبحنا الآن في وضعية مناسبة لمراجعة أحكام النفري عن المعرفة والعلم, ومعهما أوصافه للعارف والعالم.
المعرفة
رأس المعرفة حفظ الحال الروحي للصوفي, وكل ما يجمعه على المعرفة فهو من المعرفة. والمعرفة لسان الفردانية, إذا نطق محا ما سواه, وإذا صمت محا ما تعر ف. والعلم باب الله, والمعرفة بوابه. العلم عمود لا يقله إلا المعرفة, والمعرفة عمود لا يقله إلا المشاهدة. لذلك تبقى المعرفة ما بقي خاطر: أول المشاهدة نفي الخاطر, وآخرها نفي المعرفة. المعرفة نار تأكل المحبة, لكنها أيضا تأكلها نار الوقفة, التي تشهد أن المعرفة سوى. إذا رأى الصوفي الله, رأى العلم والمعرفة نفيا عن الله, وإذا حملهما في طريقه إلى الله, اعترضته الدنيا والآخرة, وإن كان طريقه فيهما حبساه. المعرفة بلاء الخلق خصوصه وعمومه, وفي الجهل نجاة الخلق عمومه وخصوصه. كل أحد تضره معرفته, إلا من وقف بالله في معرفته. المعرفة التي لا جهل فيها معرفة لا معرفة فيها, لكن المعرفة التي لا جهل فيها لا تبدو, تماما كما لا يبدو جهل لا معرفة فيه. وإذا تعرف الله إلى قلب أفناه عن جميع المعارف. فالمعرفة إذا حضرت, غابت الحاجة. أو ل ما تأخذه المعرفة من العارف كلامه. ذلك أن آية المعرفة ألا يسأل العارف الله عنه ولا عن كلامه, بل يزهد في كل معرفة فلا يبالي بعد معرفته بمعرفة سواه. كل من يحاول أن يعلق معرفة الله على معرفة السوى فهو منكر. لأن المعارف المتعلقة بالسوى نكرات, قياسا بالمعارف غير المتعلقة بالسوى. والمعارف التي تثبت بالواسطة تمحوها الواسطة.
العارف
لا يصلح العارف لحضرة الله, لأن سرائره بنت قصورا في معرفته, فهو كالملك لا يحب أن يزول عن ملكه. والوقفة ميثاق الله على كل عارف: إذا عرف هذا الميثاق خرج من المعرفة إلى الوقفة, وإن لم يعرفه امتزجت معرفته بحده. ومعرفة من لم يقف حاسرة, تماما كما أن علم من لم يعرف غير مفيد. العارف يستدل بالله, والعالم يستدل على الله. ولا يذنب العارف إلا في حال معرفته: فإن لم يدم فهو منكر,وإن لم ينصر الله فهو منكر. المعرفة خطاب الله, وحكومة العارف خطابه, وحكومة الواقف صمته, وحكومة العلم علمه. ترى قلوب العارفين الأبد, وترى عيونهم المواقيت: أرواحهم لا كالأرواح, وأجسامهم لا كالأجسام.
العلم
العلم حجاب الله, لأنه حجاب الرؤية. فهو حجة الله على كل عقل, فالعقل فيه يثبت: ولكن إن انحصر العلم لم يكن علما . العلم باب الله, ولكنه يفصل عن الله أيضا حين ينادي على العابد بجوامعه في صلواته. العلم أضر من الجهل على من يرى الله, لأنه وما ينطوي عليه في غياب, لا في رؤية. ليس للعلم مطلع على الله, ولا متعلق له به. ونوره يضئ الصوفي لذاته, لا عن الله. تبقى الخواطر والمخاطر ما بقي العلم:لأنه ملقى في الحرف, ولأنه معدن الحرف, والاسم معدن العلم. العلم مجرد واسطة, والوسائط يجب أن ت طرح جانبا مع المعارف في الطريق إلى الحق, لأن المتصوف, إذا انقاد لهما, فقد يهوي بالعلم, وقد تنقلب المعرفة به إلى نكرة. صاحب الرؤية يفسده العلم, كما يفسد الخل العسل. العلم الذي يرى فيه الصوفي الله هو السبيل إليه, والعلم الذي لا يراه فيه هو حجاب فاتن, لا طريق فيه يفضي إلى الله. حين يرى الصوفي الله, يرى العلم والمعرفة طردا من حضرته, فلا يرى الله, ولا ينتفع بعلمه. ومن لم يستقر في الجهل لم يستقر في العلم. ومن لم يستتر بالجهل من العلم لم ير الحق. العلوم كلمات من كلمات الله: مبلغ حدها الجزاء, فلله في العلوم بيت, يتحادث منه مع العلماء.
العالم
العالم يستدل على الله, لكن كل دليل يستدل به إنما يدله على نفسه, لا على الله. وما لم يتوقف العالم ويفتر, فإنه جاهل, وإن لم يزل كل عالم, لم يزل كل جاهل. والعلماء على ثلاثة أنواع: عالم هداه في قلبه, وعالم هداه في سمعه, وعالم هداه في تعلمه. والعلماء يدلون على طاعة الله, لا على رؤية الله.
لفظتان كثيرا ما يقابل بينهما النفري, وهما الرؤية والغيبة. وقد جمعنا هاهنا أهم المقاطع التي يشير فيها النفري إلى هاتين الحالتين.
الرؤية
باب الرؤية هي الوقفة, وإن خرج الواقف من رؤية الله احترق. وذكر الله, في أثناء رؤيته, جفاء, فكيف برؤية سواه, أم كيف بذكره مع رؤية سواه. لن يبقى الصوفي في رؤية الله, حتى يخرج من الحد والمحدود (أو من الحرف والمحروف), ويرى حجاب الله رؤية, ورؤيته حجابا. مقام الصوفي هو الرؤية, وما لم يقف في الرؤية تخطفه كل كون. الرؤية وصل بين الصوفي والأشياء, والغيبة تجديد الوصل. رؤية الله تثبت القلب وتمحو الكون والوجود, وبالرؤية تكتمل هوية الذات والموضوع. الرؤية باب الحضرة, فبالرؤية يثبت الله الأسماء ويمحوها في الحضرة. من ير الله يغتن غنى لا ضد له. لا صمت, في الرؤية, ولا نطق, ولا إضحاء ولا ظل. الرؤية أن يرى العبد الله في كل شيء, والغيبة أن لا يراه في شيء. تنتمي الرؤية إلى الخصوص, وتنتمي الغيبة إلى العموم: فالغيبة هي الدنيا والآخرة, والرؤية لا هي الدنيا ولا الآخرة. محرم على العبد أن يسأل الله في الرؤية, إلا أن يقول للشيء «كن» فيكون. إذ لو سكن الإنسان على الرؤية طرفة عين لجو زه الله على كل ما أظهره وآتاه سلطانا عليه. رؤية الدنيا توطئة لرؤية الآخرة, ومن لم ير الله في الدنيا لن يراه في الآخرة.
الغيبة
الغيبة قاعدة ما بين الرب والعبد في إظهار الصوفي, وهي تكمن في أن لا يرى الله في شيء, وفي اعتبار الله مثبتا للإظهار, به يراه ويرى الإظهار. ما من عزاء في غيبة الله, إذ لو جاء الكون كله لتعزية المتصوف في غيبة الله, وسمعه المتصوف وأجابه, فلن يرى الله. من يسأل الله في الغيبة كمن لا يعرفه, حقا أن الله أباح للمتصوف مسألته في الغيبة, ولكن فقط لحفظه في رؤيته. يطغى كل شيء على العابد في الغيبة, ويسع العلم كل شيء في الغيبة, لكن العلم لا ينفع حامله. الغيبة والنفس كفرسي رهان, وإذا بنت الغيبة هدمت الرؤية. غيبة الحق التي لا تعد بالرؤية هي حجاب, لأن الغيبة حجاب لا ينكشف. الغيبة سجن المؤمن في الدنيا والآخرة, ففي الدنيا هي وعيد الله, وفي الآخرة هي احتجاب يبقى ما بقيت المطالبة من الحق ومن العبد. وأخيرا, فالغيبة هي وطن ذكر, لأنها المسرح الذي يذكر فيه العبد الرب كما يحب الرب, وإذا خرج العبد في الغيبة عن ذكر الرب, غلبه كل شيء, ولن ينصره الله.
كثيرا ما يناقش النفري طبيعة الغير الذي يساويه بالباطل, ويطلق عليه مختلف الألفاظ مثل (السوى) و(الغير) و(الحرف) (وجمعها: حروف) و(الكون). وستوضح مجموعة المقاطع التالية المأخوذة من نصوصه مذهبه الصوفي في هذه القضي ة.
السوى
إن لم يظفر العبد بالحق فإنه سيظفر به سواه, ولن يظفر العبد بوقفة ما بقي عليه جاذب من السوى. والجمع بين السوى والمعرفة يعني محو المعرفة وإثبات السوى: لكن إذا ذكر العبد الحق مر ة, محا الحق ذكر السوى كل مرة. يجب أن ي ذهب الصوفي عنه وجد السوى بالمجاهدة, إذ لا يمكن أن يجاور الحق وجد بسواه. يجب أن يخلي الصوفي بيته من السوى, وأن يغطي وجهه وقلبه, حتى يخرج السوى, فإذا خرج فضحك نعماء. فإن تبع السوى الصوفي, وإلا تبعه الصوفي. وإذا تم الجمع للصوفي من خلال السوى, فإن جمعه في الحقيقة فرق. العبد عبد السوى ما رأى له أثرا. ومن التزم بحقوق الإيمان بالله, وكلم سواه, فقد كفر. فالكون كله سواه, فالسوى كله حرف, والحرف كله سوى. والعبد المخلص لله هو من يتحرر من السوى, والعبد الأمين هو الذي يرد السوى إليه. ومن لم يجب دعوة سواه كتبه الحق جليسا له.والسوى, عند رؤية الحق, كله ذنب, وفي غير الرؤية كله حسنة. ومن استغنى بشيء سوى الله فقد افتقر بما استغنى به.
الغير
إذا رأى الصوفي غير الله فإنه لم ير الله, لأن الغير كله طريق الغير. وإذا عر ف الله الصوفي على السوى فإنه أجهل الجاهلين, إذ ليس ثم غير الله. ورؤية غير الله تعني تول يه: لكن ذلك الجزء من الصوفي الذي يعرف الله لا يصلح على غيره. والعمل الذي أريد به وجه الله فذلك له, والعمل الذي أريد به غيره فذلك لغيره. وإذا خرج الله من قلب عبد ذلك القلب غير الله.لكن ولي الله لا يسعه غير الله, لأن الله لم يرده لغيره. وإذا أجاب الله نداء الصوفي فقد أصمه عن نداء غيره ما بقي, وإن اختار الصوفي غير الله غاب عنه الله.
الحرف
الحرف خزانة الله, فمن دخلها فقد حمل أمانته: والحرف نار الله, و قدره ] هكذا يقرؤها آربري, ويترجمها ب- value ولعل قراءتها الصحيحة هي: قدره [, وأمره وخزانة سره. كل نطق يظهر, فقد أثاره الله وحروفه ألفته: لأن الله ألف بين كل حرفين بصفة من صفاته, فتكونت الأكوان بتأليف الصفات لها. فالذين عند الله لا يفهمون حرفا يخاطبهم, لأن الله أشهدهم قيامه بالحرف,فلا يرونه إلا آلة وواسطة. والحرف الذي تكونت به الحروف لا يستطيع محامد الله, ولا يثبت لمقامه: ولو اجتمع النطق كله في حرف, وتعل ق ذلك الحرف بالله, لما بلغ كنه حمده, ولا حمل رؤية قربه. وما أرسل الله العبد إلى الحرف إلا ليقتبس حرفا من حرف كما يقتبس نارا من نار. فإذا خرج العبد من الحروف فقد نجا من السحر. وهذا الخروج عن الحرف خروج عن الاسم والمسميات وعن كل ما بدا, ولذلك فهو يفضي إلى الصحبة الكاملة. ولن يقف الصوفي في رؤية الله حتى يخرج عن الحرف والمحروف. الحرف حجاب: والعلم حرف, والمعرفة حرف, ولن يفلح المتصوف ما لم يخل ف الحرف وراء ظهره. لأن الشك يسكن في الحرف, والكيف يسكن في الحرف, فالحرف فج إبليس. الحرف لا يعرف الله, والله يخاطب الحرف بلسان الحرف, والحرف أعجز من أن يخبر عن نفسه, فكيف يخبر عن الله ? الحرف دليل إلى العلم, لكنه لا يلج الجهل: فالعلم في الحرف, ومن اجله ي نحت الحرف في دهليز الله. والولي لا يسعه حرف. إذا ثبت الحرف للصوفي, فما هو من الله, ولا الله منه. والحرف لا يلج الحضرة, وأهل الحضرة يعبرون الحرف ولا يقفون فيه. الخارجون عن الحرف هم أهل الحضرة, والخارجون عن أنفسهم هم الخارجون عن الحرف. والله أقرب من الحرف وإن نطق, وأبعد من الحرف وإن صمت, لأنه رب الحرف والمحروف.و الأسماء نور الحرف, والمسم ى نور الأسماء.
الكون
الكون موقف, وكل جزئية من الكون موقف: والكون كله سوى, إذا أجابه الصوفي عذ به الله, ولم يقبل منه ما جاء به. ومن تعل ق بالكون عرض له الكون. ولكن إذا أقام الصوفي عند الله اجتاز الكوني ة, لأن رؤية الله تمحو الكون. والوقفة حق ا نار الكون, لأن الواقف إذ لا يستقر على كون يعبر صفة الكون. والكون كله لا يسع عطايا الله. لم يدرك الكون فهم تكوينه, ولن يدركه. وإذا جعل الصوفي الكون طريقا من طرقاته لم يزوده الله منه بزاد, لأن الزاد لا يأتي من الطريق. الكون كالكرة والعلم كالميدان. فـ «أنت», أعني: فكرة المخاطب, هي معنى الكون كله.
أخيرا, من المفيد أن نجمع معا المقاطع التي تلقي الضوء على المذهب الخاص بالنفري عن المعنى والاسم والحروف, إذ غالبا تكون الجمل المنفصلة عن بعضها غير مفهومة, لكنها إذا جمعت وقوبلت كونت فلسفة صوفية مثيرة ودقيقة.
المعنى
»أنت» هي معنى الكون كله. معناك أقوى من السماء والأرض, معناك يبصر بلا طرف, ويسمع بلا سمع, لا يسكن الديار ولا يأكل من الثمار, ولا يجنه الليل, ولا يسرح بالنهار. معناك لا تحيط به الألباب, ولا تتعلق به الأسباب. لأنه المعنى الذي خلقه الله, والله من ورائه. يريد الله أن يبدي خلقه ويظهر ما يشاء فيه, لذلك يظهره يدعو إلى نفسه, ويحجب عنه, ويحضر بمعنوي ته, ويغيب عن موقفه. لأن الله أظهر كل شيء, وجعل الترتيب فيه حجابا عن معنويته, وصي ر الحد فيه حجابا عن مراده فيه. كل معنوية ممعناة إنما معنيت لتصرف, وكل ماهية ممهاة إنما أمهيت لتخترع. مصحوب كل شيء غالب حكمه, وحكم كل شيء راجع إلى معنوي ته, ومعنوية كل شيء ناطقة عنه, ونطق كل شيء حجابه إذا نطق.
لكل شيء من الظواهر حكم وصف انفصل عنه, وبقي الوصف وصفا والحكم حكما. حتى ليمكن اعتبار الوجود على نوعين: فوقي, وتحتي, والأرواح والأنوار في الفوقي ة, والأجسام والظلم في التحتي ة. ينتمي الكل إلى الفوقي ة, ولكنه حين يقترن بالإنسان ينتمي إلى التحتية.وتنتمي «الأنية» و»الهوية» إلى الكل: فقد أظهر الله الظواهر بالمعنوي ة, وفيها العوالم الثبتية, ثم بدا للثبتية فأفناها, فلم يبق إلا المعنوية. وتنتمي المعنوية إلى الفوقية, وموضع الإنسان بين الروحي والثبتي.
لكل شيء شجر, وشجر الحروف الأسماء, فاذهب عن الأسماء تذهب عن المعاني, وبذلك تصلح لمعرفة الله. إن خرجت من معناك, خرجت من اسمك, وإن خرجت من اسمك وقعت في اسم الحق. والسوى كله محبوس في معناه, ومعناه محبوس في اسمه, فإذا خرجت من اسمك ومعناه, لم يكن لمن حبس في اسمه ومعناه سبيل عليك. لكل شيء اسم لازم: ولكل اسم اسماء: فالأسماء تفرق عن الاسم, والاسم يفرق عن المعنى. لقد أل ف الله بين كل حرفين بصفة من صفاته, فتكونت الأكوان بتأليف الصفات لها: والصفة التي «لا تنقال» هي فعاله, وبها تثبت المعاني, وعلى المعاني ركبت الأسماء.
الاسم
الحرف متضمن في الأسماء, والأسماء في الاسم, والاسم في الذات: الأسماء نور الحرف, والمسمى نور الأسماء. العلم والمعلوم في الاسم, والحكم والمحكوم في العلم. الاسم معدن العلم, والعلم معدن كل شيء: فالاسم يستهلك العلم, والعلم يستهلك المعلوم, والمسمى يستهلك الاسم.
الأسماء لله: هو من أودعها, وبه أودعها. اسمه وأسماؤه ودائعه عند الإنسان فلا يخرجها حتى لا يخرج من قلبه. وأينما جعل الله اسمه فليجعل الصوفي اسمه, ذلك أن الله إذا آتى أحدا اسما من أسمائه, وكلمه قلبه به, فقد أوجده الحق به لا بالعبد, وقد كلمه العبد بذلك الجزء الذي كلمه به الحق. وإذا رأى العبد الحق ولم ير اسمه وانتسب إلى عبوديته فهو عبده: لأنه إذا رآه ورأى اسمه فقد غلبه الله. وإذا رأى اسم الله ولم يره فإن عمله لا يصلح لعبودية الله, وما هو بعبده. يجب أن يواري العبد الحق عن اسمه, وإلا رأى الاسم ولم ير الحق. لكنه إذا لم ير الله فيجب أن لا يفارق اسمه.
أودع اسمك لله, ولا تجعل بينه وبينك اسما ولا علما, لأن علمك حجابك, وأسماءك حجابك. وإذا أذهبك الله عن الأسماء فقد آذنك بحكومته, ولا حكم للاسم من دون الله.
الحروف
عن مذهب النف ري في الحروف انظر مادة الحرف فيما سبق
المخطوطات
] أعطينا هنا رموز المخطوطات التي اختارها آربري في آخر النص العربي - المترجم.[
اعتمدت عند إعداد هذه الطبعة من «المواقف» و؛المخاطبات» على المخطوطات الآتية:
ب - مخطوطة مارش 166 في مكتبة بودليان, أكسفورد. وهي مخطوطة واضحة جيدة الخط, منقوطة قليلا, تحتوي على؛المواقف» وشرح التلمساني له, مكتوبة سنة (694هـ) وتقع في (220) ورقة.
ج - مخطوطة غوطة 880. مخطوطة ممتازة, يمكن اعتبارها أهم مخطوطة تجمع تراث النفري, وتحتوي على «المواقف» و؛المخاطبات» معا وبعض الشذرات الأخرى, ولكن بدون شرح. كتبت سنة (581 هـ) وتقع في (132) ورقة. وترقيمها في الوقت الحاضر لا يخلو من اضطراب. وهذه المخطوطة, كما يقول ناسخها, منقولة عن نسخة بخط النف ري نفسه, لذلك فهي تحتفظ بتراث قديم جدا, كما هو واضح, فيما يتعلق بتاريخ أجزاء الكتابات المختلفة وتبويبها.
أ - مخطوطة مكتب الهند,لندن, 795. اطلعت على هذه المخطوطة في البداية من خلال صورة لها عند الأستاذ نكلسون. وتحتوي على «المواقف» وشرح التلمساني. وقد تم نسخها سنة (1087), وتقع في (156) ورقة.
ل - مخطوطة ليدن, ورنر, 836. لم يذكر بروكلمان هذه المخطوطة في قائمته, وقد تفضل بتنبيهي إليها د. فان أريندونك, الذي يصفها كالتالي: «مخطوطة واضحة جيدة الخط, مكتوبة بالنسخ, تقع في (291) ورقة, في كل صفحة أحد عشر سطرا, بقطع 8 *51 سم. وهي منقوطة حتى الورقة (37), وعلى هامشها شروح حتى الورقة (48). وليس فيها تاريخ, لكن المخطوطة هنا (في ليدن) منذ منتصف القرن السابع عشر». والشرح الذي عليها هو في الأساس للتلمساني, ولكن هناك أيضا شذرات من شرح كتبه من اسمه عبد الكريم السوزي.
م - مخطوطة مارش 455 في مكتبة بودليان. مكتوبة بخط صغير دقيق, وتقع في (571) ورقة, وتحتوي على «المواقف» و»المخاطبات» مع شرح قصير مجهول المؤلف, هناك ما يرجح نسبته لابن عربي. المخطوطة غير مؤرخة, وتتبع تقليد مخطوطة (ج).
ق - مخطوطة تيمور باشا (القاهرة, دار الكتب) تصوف 11. تحتوي على المواقف والمخاطبات وبعض القطع الأخرى. وقد فقد منها جزء كبير من المواقف. تم نسخها سنة (1116 هـ). ولم نستفد منها في هذه الطبعة, إلا فيما يتعلق ببعض قراءات المخاطبات. أما إسناد المواقف فيها فلا وزن له.
ت - مخطوطة ثيرستون, 4, في مكتبة بودليان
............................................................
نقلا عن مجلة نزوى

مختارات الحديقة..............موسى كريدي


القطة
عام آخر يمر . الهوة تتسع . وقطة السيدة تتحرك في الممرات والافنية كبندول الساعة.. تتفيأ ظلال الأشياء. تلهو وتنام في الأحضان وتنعم بالهدأة والراحة، تحف بها على نحو موصول أشياء ناعمة الملمس أو حريرية تجدها دائما في الطنافس والبياضات ، فتلوح لسيدتها التي تكاد تصحب ظلها ليل نهار قطة غجرية بفراء ناعم وبؤبؤين فسفوريين يضيئان في الحدقة وقد يكشفان عن برق صغير بلون الذهب . بل إن المرأة ترى في عيني قطتها ألقا من الفيروز، نضاجا. رقيق الخيوط تخاله حزمة ضوء تلمع في الظلام. تشوبها أحيانا خضرة غامضة أو زرقة عاصفة بلون الماس .
هذا الكائن الاثيري قرفص في عقل السيدة وبات جزءا من الحلم والذاكرة ليس بالوسع التخلي عنه ولا تعويضه طالما ملأ حضوره الفجوة القائمة في أحشاء المنزل الأمر الذي أفضى بالرجل ، أستاذ الكيمياء إلى التبرم الضيق واسداء النصح لشريكته أن تعنى بسيرة الإنسان لا بسيرة القطط المتسكعة في البيوت والحارات . ترى كيف ينفي الأستاذ ما يراه وكيف يمكن التغاضي والنوم على سرير لم يعد لاثنين ؟
مزيدا من القفزات رآها على العشب ثم قفزه إلى السياج الاسمنتى حيث قوائمها الأربعة تطأ أحد الجدارين المقابلين للباب الخارجي متخذة هيأة حارس في ضوء المصباح . بدا ذيلها برونزيا ثم أخذ يتموج وعيناها الصغيرتان على الطريق . قالت المرأة أرأيت كيف يغزو هذا المخلوق جلدك الخشن ؟ كتم غيظه قائلا كتمان الغيظ مضر بالروح أكثر من الجسد وهبطت السكينة إلى نفسه - استنجد بقليل من التريث .. المطر ينهمر..
الأشجار تكتظ بالماء.. هنالك قطة في المطر تهرول عبر ممرات الحديقة لا هم لها إلا أن تطارد عقل أستاذ جامعي مازال يدرس مادة الكيمياء ومازال يقاسم رفيقته ألالم والبهجة وهي لا تعرف شيئا عن هذه الحكاية .
المطر يهطل . يغرق ضوء المصباحين القائمين على الطريق .والمرأة تبحث عن سميتها ثم لا تلبث قليلا حتى تعود وهي تحمل قطتها في حجرها متوجهة بها نحو غرفة النوم المعبأة بالبرودة والفراغ .
اشعل شيئا من التبغ في غليونه . اقام كرسيه في الداخل ثم اخذ يحدق في شجرة السرو وينفث الدخان الأبيض ويلعن الساعة التي تمضي نحو المجهول .. المطر ينقر زجاج النوافذ والشبابيك ورؤوس الأشجار. . والأضراب عن الكلام قاس هو الاخر ولا شيء يبدأ جديا وحاسما حتى يمكن البدء بفعل جديد .
في الصباح غادرت زوجته . سمع طرقاتها تذوب في آخر الممشى. حين سمع صوت اغلاق الباب أسرع نحو مكان القطة.مسح بنظراته غرفة الجلوس . المطبخ . المخزن السلم المفضي إلى السطح . حدق في خزانة الكتب . الملابس. جاس المداخل . الممرات كلها. تملى زوايا الحديقة ومثل من يقضي نقاهته في حيز محدود ضاق بالمكان وذاب حلمه كما تذوب قطرة المطر.. أين ؟ هل أخذتها معها؟ مضى بقميص النوم ينقب . يحمل كيسا من الكتان وقطعة حبل من القنب . وبدا كمن يتبضع في الأسواق ونسي خلال تلك الدوامة كل عاداته اليومية . فتح نافذة شباك الصالة.. رأي السحب تنتشر في كل مكان ورأى أشجار الحديقة وهي تتمايل في الريح . اغلق النافذة بعد ان مس انفه شيء من الرذاذ. عاد نحو سرير النوم وألقى بجسمه ثم جسى براحته ظاهر الشرشف . هل يجد شيئا؟ تمدد برهة بل أغمض عينيه .. استمر هذا بضع دقائق سمع خلالها حفيف شيء ما. هجس أن القطة تقف بازاء النافذة. لم يخطيء حدسه فما إن تلفت حتى وجدها تقف هادئة . هبط نحو الباب المفتوح . اغلقه بقوة فارتجت الغرفة كلها وسرعان ما اختفت اللعينة ثم لمحها بعد ثوان في اقصى الظلمة وتحت السرير تماما.
مازال الكيس مفتوح الفم ، مشرعا، والحبل جاهزا. كان كلما أسرع في هجماته ازداد غضبه حدة غير انه لم يستطع منح نفسه لحظة هدوء واحدة ولا لحظة ارتخاء للشد العصبي فقد نفد صبره وبدا مشدودا الى الحلم . خيل اليه أنه بانقضاضه عليها سوف يزيح كابوسا ثقيلا في حين ظلت القطة تنزلق تارة، وتناور، أخرى، كما الحية. يقترب . فترتد (هي ) نحو العتمة. تنزوي في لحظة معينة ثم لا تلبث ان تزعق قي اللحظة التالية . تهجم (هي ) بمالديها من قوة غامضة لكن سرعان ما يرتد (هو) آيلا لسقطة محتملة . لا أمل ، إذن ، في الاستحواذ على كائن صغير، واحتوائه قي كيس . ولم يكن للرجل الخمسيني الا معاودة الهجوم ولم يكن للقطة الا الدفاع عن نفسها. عاد الى هجماته بأقوى مما كان وأشد. افلح هذه المرة. لكن بعد رهق نفسي وشد، ونقاط دم ظهرت على منامته ، ولطخت منه قميص النوم . وثمة نقاط أخر لمحها على جانبي الفتق وظاهر الرسغ وكاد جبينه يثخن بآتأر دم بدت أشبه بثغرات أحدثها مبضع جراح فاضطر إلى معالجتها بمادة معقمة وتضميدها بالشاش الأبيض في المواضع التي تعرضت للنهش. نظر إلى الكيس المشدود بالحبل فرأى رهينته تتحرك . فكر إن ترحيل قطة إلى مكان بعيد يوفر لها حرية مطلقة في التنقل والحركة ثم قال إن مشهد الدم الذي سوف تراه لا أهمية لايماءاته لو ان باستطاعة امرأته العودة لشيء من الصواب .
صارت القطة في قبضته أخيرآ. ها هي تتلوى. الندم اصابه في الصميم الحموضة صعدت إلى حلقه . ذهب إلى المرآة رأي هيأته معتمة ورأى لحم وجهه القرمزي نيئا باردا لا دم فيه . صوب نظره إلى الخارج . الوقت يسيل الشمس تختفي خلف أقنعة داكنة من الغيوم . السماء توشك أن تنهمر بالمطر. الاشجار غامضة في الريح . هناك على مقربة صوت مواء يعود ثانية وثالثة والسيدة زوجة في الاربعين . تقف خلال الباب الموارب للغرفة تطلق حسرتها وتغمغم "مجنون حقا" .حين دلفت إلى الداخل قال : دخلت الكارثة.. سمع صوت خطواتها. وقفت كالشيطان على رأسه . قوست ما بين حاجبيها. رفعت بأصابع متوترة كماشات الشعر عن رأسها. انتثر الشعر في الهواء. قالت إن حدسي لا يخطيء . . أني اشم رائحة دم تغزو هذا"العش الذهبي " الخالي من العصافير، أني اشهد كل يوم كيف يتم تعذيبي على يدين ملطختين بالدم صرخت في وجهه . اسمع انني خسرت الكثير من عمري فهل لك بتعويضي ؟
...........................
منقول من مجلة نزوى العمانية!.

Monday, December 27, 2004

Pablo Neruda ::::::::::::مختارات الحديقة

ODE TO BROKEN THINGS
Things get broken at home

like they were pushed by an invisible,
deliberate smasher.
It's not my hands or yours It wasn't the girls with their hard fingernails or the motion of the planet.
It wasn't anything or anybody
It wasn't the wind
It wasn't the orange-colored noontime Or night over the earth
It wasn't even the nose or the elbow Or the hips getting bigger or the ankle or the air.
The plate broke,
the lamp fell
All the flower pots tumbled over one by one.
That pot which overflowed with scarlet in the middle of October,
it got tired from all the violets and another empty one rolled round and round and round all through winter until it was only the powder of a flowerpot,
a broken memory,
shining dust.
And that clock whose sound was the voice of our lives,

the secret thread of our weeks,
which released one by one
, so many hours for honey and silence for so many births and jobs,
that clock also fell and its delicate blue guts vibrated among the broken glass its wide heart unsprung.
Life goes on grinding up glass,

wearing out clothes making fragments breaking down forms and what lasts through time is like an island on a ship in the sea,
perishable surrounded by dangerous fragility by merciless waters and threats.
Let's put all our treasures together

-- the clocks,
plates,
cups cracked by the cold --
into a sack and carry them to the sea and let our possessions sink into one alarming breaker that sounds like a river.
May whatever breaks be reconstructed by the sea with the long labor of its tides.
So many useless things which nobody broke but which got broken anyway

Sunday, December 26, 2004

VICTOR HUGO. .......مختارات الحديقة

THE GRAVE AND THE ROSE
. The Grave said to the Rose, 'What of the dews of dawn, Love's flower, what end is theirs?' 'And what of spirits flown, The souls whereon doth close The tomb's mouth unawares?' The Rose said to the Grave. The Rose said, 'In the shade From the dawn's tears is made A perfume faint and strange, Amber and honey sweet.' 'And all the spirits fleet Do suffer a sky-change, More strangely than the dew, To God's own angels new,' The Grave said to the Rose.
...........................................................................

THE GENESIS OF BUTTERFLIES
. The dawn is smiling on the dew that covers The tearful roses; lo, the little lovers That kiss the buds, and all the flutterings In jasmine bloom, and privet, of white wings, That go and come, and fly, and peep and hide, With muffled music, murmured far and wide! Ah, Spring time, when we think of all the lays That dreamy lovers send to dreamy mays, Of the fond hearts within a billet bound, Of all the soft silk paper that pens wound, The messages of love that mortals write Filled with intoxication of delight, Written in April, and before the May time Shredded and flown, play things for the wind's play-time, We dream that all white butterflies above, Who seek through clouds or waters souls to love, And leave their lady mistress in despair, To flit to flowers, as kinder and more fair, Are but torn love-letters, that through the skies Flutter, and float, and change to Butterflies.

Saturday, December 25, 2004

نصوص عربية مترجمة الى الهولندية 3 ....ترجمة مهدي النفري

الشاعر ....سليمان مصالحه
DE WEG VRAAGT
De oude weg vroeg hen:
U die op uw besnoeiing van schouderssandals van palm dragen
, waar gaat u weg geleid?
Ziet u niet dat de woestijn naar u met al zijn toestel komt?
Waarom bent u die op me ernaar streven blootvoets te betreden?
jullie zweet helpt me niet
noch jullie gebeden de regenval zullen helpen niet.
Uw limping stappen op mijn sporen raken licht me.
Zij zullen geen sporen op mijn huid verlaten om anderen aan de rivier te leiden.
Ik ook,
eerlijkheidshalve,
in de loop van de jaren van jullie minachting voor mij ben ik jullie zat
Daarom heb ik een beslissing genomen
uit mijn eigen vrij te vernietigen zal in mijn zand.
Maar toch wie zal me op terugweg begeleiden als ik spijt krijgt

نصوص عربية مترجمة الى الهولندية.2. ....ترجمة مهدي النفري

الشاعرة سوزان عليوان
Eeuwigheid
Dit wensend was ik daar
toen mijn moeder
een droevig kind
in diepe behoefte aan een echte vriend
gelijk aan haar in droefheid was
dit wensend moest ik daar haar solitude delen dit wensend was ik een weinig ouder om haar moeder te zijn
.وُلِدَتْ في 28/9/1974 في بيروت، من أب لبناني و أم عراقية الأصل
.بسبب الحرب في وطنها، صرفت سنوات طفولتها و مراهقتها بين الأندلس و باريس و القاهرة

.تخرجت عام 1997 من كلية الصحافة و الإعلام من الجامعة الأمريكية في القاهرة
:(صدر لها (في طبعات خاصة و محدودة
عصفور المقهى 1994 *
مخبأ الملائكة 1995 *لا أشبه أحدًا 1996 *شمس مؤقتة 1998 *ما من يد 1999 *كائن اسمه الحب 2001 *

مصباح كفيف 2002 *

لنتخيّل المشهد 2004 *."تعيش الآن في بيروت، "خرافة الوطن

...تكتب و ترسم و تحلم

Friday, December 24, 2004

سلسلة نصوص عربية مترجمة الى الهولندية ....ترجمة مهدي النفري


Boujema El Aoufi
الشاعر المغربي بوجمعة العوفي
Het spoor van het huis op de berg
Tussen ons Verdriet en gedichten
en een planeet van delirium
trek ik het achteruit een weinig zodat, verrukt, u naar uw huis op de berg kruist. ..
Tussen ons
Vlammen en gras
en een melkweg van vrouwen!
Elke één een volledig bos!
Twee sterren vóór avond-tijd
Zullen Sylvia
Van de hoogte van haar pijnlijk teken (Aries),
met her zwarte Spaanse sluier dalen,
die door twee jongens en wachten die van de tempel Babylonian wordt begeleid,
haar met dauw bedekt hart houden naar u,
Zij zal plotseling als de prachtige het noordenster kruisen. ..
haar lichtgevende hand bellen zal niet de door-klok Zoals uw gewoonte in de behandeling van haar duidelijke vrees bij de zeer kleine uren is,
niet omdat niemand daar om tot de visitor voorwaarde,
maar vrees dat uw verwante prooi van de bloeddaling aan de famished wolveneetlust verdient te betekenen
Vanavond stierft Buckingham bloem
of die van metaal maak geen verschil.
Aangezien zij hield herhalend in uw definitieve droom. .
. Zij ging uit zelfs alvorens de prins haar leeg portret op de muur opmerkte!
De dichter begrijpt alleen de betekenis van pijn wanneer, door zijn vingers,
de stilte uit tegen de avond uitspreidt
نبذة عن حياة الشاعر
ازداد سنة 1961 بمدينة تازة.
يشتغل بالتدريس، ويتابع دراسته العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس ( شعبة الفلسفة ـ تخصص علم الاجتماع ).
بدأ الكتابة والترجمة والنشر منذ سنة 1986، في مجالي الشعر والنقد (الأدبي والتشكيلي).
عضو ببيت الشعر، ونال جائزة الشارقة للإبداع العربي ـ الإصدار الأول في الشعر ( الدورة الرابعة ـ 2001 ).
نشر العديد من الترجمات والمقالات الإبداعية والنقدية، والقصائد، والنصوص، والقراءات والدراسات في مجالي الأدب والفنون التشكيلية، بالعديد من الصحف والمجلات المغربية والعربية .
صدر له:
- بياضات شيقة، منشورات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة، (طبعة أولى، 2001)، (جائزة الشارقة للإبداع العربي ).- أصدقاء يغادرون حنجرتي، منشورات وزارة الثقافة والاتصال، الرباط، 2001

Thursday, December 23, 2004

مافيا الثقافة ..........الكاتب امجد طليع



لا اريد ان ابالغ عندما اقول اني اصبحت انتظر صحيفة” الصباح “ صباح كل يوم من اجل افتتاحية ملحقها” ج “ فاي موضوع سنقرأ واي كاتب سيكتبه؟فقد امتعنا الاساتذة من الكتاب وهم ينتقدون ويضعون الاراء حول الثقافة العراقية في الوقت الراهن ومحاولة اعادتها الى مسارها الحقيقي من ثقافة حزب مرتبط بفرد الى ثقافة مجتمع ساهم في بناء الحضارات الانسانية على مر العصور،
وخصوصا ان الثقافة العراقية الان تعيش مرحلة الانسلاخ من الفكر الشمولي المقيت.واعتقد ان الاساتذة الذين توالوا على كتابة الافتتاحية المذكورة حاولوا تشخيص السلبيات على مستوى الكتابة بانواعها والعلاقات بين المثقفين وكذلك اوضاع النشر والطبع والترجمة وغيرها كما دعا هؤلاء الكتاب الذين اختلفوا في اختصاصاتهم بين ناقد وقاص وروائي ومسرحي وشاعر الى ثقافة جديدة من خلال تاشير الاعمال الابداعية الحقيقية والسابقة والجديدة دون التأثر باتجاه سياسي او طائفة او قومية وكذلك التوجه نحو اعمال الابداع الحقيقي في الوطن العربي والعالم.كل هذه الافكار التي نشرت وستنشر وتصب في نفس المضمون لاقت وتلاقي الاقبال والتأييد في الشارع الثقافي.. وفي الحقيقة هناك الكثير من السلبيات التي مازالت تقبع في ذهنيات بعض المثقفين والمتطفلين على هذا الوسط. ويمكن وضع هذه السلبيات واصحابها تحت عنوان” مافيا الثقافة “ وهذه المادة هي الاسهل في تعرضها الى الجريمة المنظمةوبامكان فرد واحد ان يقوم بهكذا سرقة وليس عصابة شرط ان يكون هذا الفرد من المثقفين.فهؤلاء الذين يعتبرون النخبة يعانون من بعض المشاكل التي قد تلغي اهليتهم ليكونوا الطليعة وقادة الرأي العام، فعلى سبيل المثال اذا تحدث كاتب ما بفكرة يود كتابتها امام احد زملائه الكتاب فليس بغريب ان يستيقظ هذا الكاتب في احدى الصباحات ويجد زميله قد حولها الى موضوع ونشرت في صحيفة ما.. وهذا النوع من السرقة لاتسمح للمجني عليه بالمطالبة بحقوقه الفنية ولا القانونية اما النوع الاخر من هذه الجرائم ان ياخذ كاتب عراقي فكرة من موضوع لكاتب عربي او اجنبي قد قرأه في احدى الصحف العربية او على شبكة الانترنت وغيرها من الاعمال الاخرى.فقبل ايام قرأت مقالة منشورة في احدى صفحات صحيفتكم لأحدالزملاء الذين دائما نقرأ له في صحفنا المحلية ومما يؤسف له ان هذا الكاتب قد نقل هذه المقالة نصا عن جريدة” الشرق الاوسط الدولية “ التي نشرتها قبل اكثر من شهر لاحدكتابها العرب. وكل ما فعله كاتبنا العزيز هو التغيير البسيط في عنوان المقالة تلك. ومع ذلك فلايمكن لاحدنا القاء اللوم على مسؤول الصفحة الذي لديه اعمال كثيرة تبدأ من متابعة الموادفنيا ولغويا واختيار الصور المناسبة لها في بعض الاحيان والمساهمة في اخراج الصفحة ومن ثم متابعتها والى اخره من هذه الاعمال.واعتقد ان مسؤول الصفحة غير مسؤول عما ينشر مثل هذه الاعمال، ولو كان على كل مسؤول في صحيفة متابعة الصحف العربية وموقع الانترنت فلا اظن ان احدا سيعمل في صحيفة ما.فاللوم الحقيقي يقع على من يقوم بهذه الاعمال المشينة التي تجلب العار لنفسه اولا والمثقف العراقي ثانيا وليس بعيدا عن هؤلاء ان شبهناهم بعصابات الكهوف.وعلى هذا المستوى نفسه قام احد الاشخاص المحسوبين على الادب باستعارة دواوين شعرية مخطوطة لاحد اصدقائه الشعراء الذين لم تساعدهم الظروف على طبعها ونشرها، وكان عدد هذه الدواوين” ثلاثة “ واثناء فترة الاستعارة قام هذا الميسور الحال بنسخها بخط يده ومن ثم طبعها في مطابع احدى الدول المجاورة وبيعها في المكتبات العراقية وهي تحمل اسمه وليس اسم الشاعر الذي كتبها وعندما علم احد النقاد العراقيين قام بكتابة موضوع حول هذا الشخص السارق يحذر به الوسط الثقافي منه بعنوان” احذروا هذا الشاعر “ولكن ما الذي جرى بعد هذا المقال؟لم يحصل شيء كالعادة ولهذا قام السارق بأصدار ديوانين جديدين بأسمه
.........................
عن جريدة الصباح البغدادية.

Sunday, December 19, 2004

زوايا ..................الكاتب العراقي حسن بلاسم

عين الشاعر
الشاعر الصديق مربوط باسلاك شائكة مرئية ويكتب قصائد ذليلة وسجين. الشاعر الملعون جبان ينسحب للهذيان وهو سجين من نفس الاسلاك. الشاعر المثقف سجين يدعي النظافة والايمان. الشاعر الزاهد هو حارس قديم في السجن. شعراء القضية هم سجناء مصابون بالاسهال. شاعر قصيدة اليومي هو سجين حليق الذقن ومحتال. شعراء الحب هم سجناء مخنثون. ومنهم من يحب الوشم والنثر.وهم عادة نشالون صغار.ورقة وحيدة مذيلة بتوقيع قاتل لا يدعي الشعر.كتب ستة قصائد وطفلة صغيرة بسكين واحدةوجدوه يأكل من قتلاه ويضحك !!وجدوه تماما بلا اسنان .....وجدوا دم الطفلة على اسنانه المنزوعةوجدوه ينتظرهم في مزرعة تفاح فارغة
! عين الشبح
هؤلاء الناس عاشوا مهزومين وقتلة / لم اقبل مرة في حياتي ان اكون كاتبا / كنت احلم بمكتبة ضخمة وباردة وسط المدينة / ابيع التاريخ والقصص/ الروايات الفاسدة لهؤلاء السفاحين / كل الخراء المنثور سأبيع : ببساطة كان الشعر محاولة متواصلة لفقدان الحياة بينما السينما في استعادتها. هؤلاء الناس/ هذه التماسيح الهرمة / هذه المشاهد المتتالية من الرعب/ هي ما اتاح لي ان اعيش كالأشباح. مرة في الشاشات ومرة على الورق. ومرات بين القبور اوزع كتب الضحك السميكة على الابطال.
عين الطائر
لو نظرت من الارتفاع الذي يحلق فيه لكان اللون السائد هو عباءات الامهات في السوق. ولظهرت الفواكه والخضر كثقوب ملونة. شاعر يمكن ان يسمي قصيدته هذه : الحياة. ورسام سيشتهي ان يكون للون الأسود حركة الاصفر في حقول فان كوخ. سينمائي عجوز سيفضل زاوية عين الطائر كما هي ومنهكة على ان تكون مصحوبة بموسيقى بكائية.سينمائي شجاع سينزل الى السوق وينيك الامهات من الخلف.امهاتنا الطيبات. اللواتي يسترن الثدي الاسود والثدي الابيض. امهاتنا الابقار/ الارامل الهزيلات ...امهاتنا الصناديق.
عين الانسان
بين كل رجل وامرأة تحبه باخلاص خطر الخيانة قائم. الامر يعود كوننا حيوانات مطاردة. نحتاج للتوقف قليلا في زاوية ما لارواء الظمأ. وهذا ما يحدث ايضا بين كل سماء وسحابة. حين تلجأ الاخيرة الى البحر. لا تفتح الشباك انظر من ثقب الباب الى البلاد. هي ترضع في سريرك من ذكور العتمة. هكذا يمكننا قبول الحب واليأس في قرننا هذا بمضاعفة الكره والشك. العتمة التي كانت قد اقتلعت عينك اليمنى على نفس الوسادة. لهذا انت تمطر في المنفى بعيدا. او انك المرأة التي تحب باخلاص.لا تطرق الابواب. تلصص فحسب. مازالت لديك واحدة !!خطر الخيانة قائم بين كل شاعر وعناق.
حسن بلاسم
2004

Monday, December 13, 2004

جدل على جنازة رجل القضية..................الكاتب عبدالواحد الانصاري

قيل إنه لا مشكلة، فالأنبياء أنفسهم لم يسلموا، لا مشكلة فالطغاة أنفسهم نجا بعضهم وأفلت من التأريخ. وقيل إن المشكلة الحقيقيّة كامنةٌ في قراءة العوامّ وتفسيراتهم الشنيعة لإيحاءات الطقس، تماما كشناعة تفسيراتهم في قراءة تاريخه الذي مرّ بثلاث مراحل، كلّها غامضة، فقالوا إنه لا يوجد ما ليس غامضا في هذا الشخص العظيم، حتى اسمه غامض، وأصله غامض. وردّ بعض الجهلة بأنّ ذلك مدعاة للفخر، فالغموض له سحره، وفتنته، وأكدوا أنه كان أفضل الموجودين وأكثرهم خبرة وعلاقة بالسياسيين والمشاهير، فردّ آخرون أشد جهلا بأن أسوأ الفساد هو فساد الأفضل. الشاهد أنّ كل الشائعات السيئة التي أحاطت به لم تكن مؤرّخة في أرشيفه المتوفّر في المكتبات ومسارب القنوات الإخبارية، بل موثقة على أفواه العوام والمطحونين من أبناء بلده المهاجرين، ولذلك لم يكن لها نصيبٌ وافر من التصديق، وعوملت على أنها من حسد الحاسدين وبغض المبغضين وكيد الكائدين. وعزا البعض كل ما ارتكبه من أخطاء إلى أنها مثالب لا تلحق به وإنما بأتباعه، لكنّ بعض الشيوخ والعجائز الذين عاصروه ظهوره اعتبروا موته بمثابة الضرطة التي تهيّئ لتدفّق البراز، أو شرارة النار الأولى بأسلوبٍ مؤدّب، واتّفق القاصي والدّاني على أنّ الاحتفالات التي بدأها ذوو الجدائل بمجرّد الإعلان عن مرضه هي أول بادرة من بوادر موته، لأنّ ذوي الجدائل لا يحتفلون بالوهم ولا يرون في الهزائم انتصارا. واختلفوا إن كان ما لفّ حالته من غموض هو مؤامرة خارجيّة أم اتفاقاً من داخل سور البيت، خاصّة أنه كان يتأكد من سلامة من مأكولاته بإطعامها لأقرب المقرّبين إليه، بدءا من صحن الحساء وليس انتهاء بحبات الذرة المهروسة، وأكّد بعضهم أنها طريقة بدائيّة أثبت الجزء الثالث من فيلم العراب أنها فاشلة. المهم أن صحته تدهورت وصاح في أطلاله غراب البين بالرغم من محاولته التماسك عندما قبّل الجماهير عن بعد بيده، فيما فسّره المهتمون بتوثيق حياته مؤخرا على أنّها قبلته الأخيرة للأرض المقدسة ومن فيها، المهمّ أنّ الثور طاح وكثرت سكاكينه على ما يبدو، بدليل المعركة التي أشيع أنها محتدمة بين أمناء عرشه وأمناء سريره المتمثل في امرأة شقراء وحيدة، امرأة تزوجته كما زعمت عن حبّ لكنها تخلت عن رفقته في أصعب أيامه بذرائع بدا أنها حضاريّة في ساعة تبريرها الرقيق المؤثر لها. ثم قيل إن أمناء العرش وأمناء السرير أجّلوا موته وأنكروه ليأخذوا وقتهم في الاتّفاق على تقسيم الكعكة، وكأنهم يقولون للناس انتظروا، لن يموت إلا حينما نكون مستعدين، وهذا ما حدث بالفعل، فقد اتفقوا على الكعك ثم خرجوا وأعلنوا الوفاة على رأس الملأ. وكانت حادثة مميّزة تشبه حادثة الأمير الخليجيّ الذي توفي قبله بخمسة أيّام، حيث أجمع من بيدهم مقاليد الأمور على تسليم الحكم لخليفته المنتظر في ثلاث ساعات. نفس الحادثة مع اختلاف يسير، أنّ أمناء العرش وأمناء السرير في مسألة رجل القضية اتفقوا في ثلاثة أيام تزيد أو تنقص قليلا. ثم دبروا سيناريو تشييع الجنازة بما يفي بحق احترام الجثة وصاحبها، ولم يعاند في ذلك أيّ من رفاق الطريق في رئاسات الدول المجاورة، إما إيمانا منهم بحرمة الموت أو لأنّ أعمار الجميع متقاربة ولا أحد أفضل من أحد، وما يزيد على نصفهم ينتظر نفس المصير في بضع سنوات مقبلة، وهاهي جثّتان لاثنين منهم تعاقبتا تعاقبا سريعا قبل أن تبرد الأولى منهما، وإذا صحّ هذا التفسير الخبيث فالمسألة تبادل منافع لا رابطة بينه وبين محبة الرجل أو احترام هيبة الموت. واتفقوا على أن يكون المكان حيث بدأ مسيرة نضاله وحيث كان مكتبه قبل انتقاله للسلطة، هبط الضبّاط بالجنازة من الطائرة في البلد الذي انطلقت منه حركة نضال رجل القضيّة، وحيث أشيع أنّه اخترع بمشورة من أصدقائه فكرة تجميع مخلفات سلاح الحرب العالمية لاستخدامها في النضال، وصلت الطائرة، وسار الموكب به إلى حيث صلوا عليه في الجامع المسمّى، ثم حمله ستة رجال أشدّاء على أكتافهم في الطريق إلى الطائرة التي انتقلت به إلى الوطن، غير أنّ الثاني على اليمين من حملة التابوت كانت تطرف عينه ويتحدّث إلى مرافقيه وكأنه يعاني من ثقل التابوت، أو من مشكلة في سرواله الداخليّ، أو على أقل تقدير من طريقة المشي الرسمية المتّبعة، فقد كانوا يسيرون كعادة جميع الضباط في مراسم الموت وكأنما لا مفاصل في ركبهم، بتتابع مدروس متساير ومتسق مع الموسيقى العسكرية. وثارت عاصفة من الضحك في أحد المنازل الشعبية بحي من أحياء القاهرة عندما قالت طفلة صغيرة: ألن تتعفّن جثته وهم يمشون بها كل هذه المدة؟ فأجابها أبوها المتذاكي بأن المدة مدروسة وأنه لا يخشى تعفن جثة رجل القضية على أكتاف الضباط المذكورين لأنّ الجو لطيف والحرارة إلى انخفاض كل يوم ونحن مقبلون على الشتاء، واقتنعت البنت بما قال أبوها وأسرت في نفسها الفرح بإلفاتها نظر الموجودين إليها. بعض المتعصبين قالوا إنّه لا يحقّ لزعيم من غير هذا الوطن أن ينتظر أن يحظى تأبين موته بجماهير عظيمة كالتي برزت عند وفاة زعيمهم البطل الأول، وكلهم أبطال، وردّ عليهم آخرون أشد تعصبا بأنّ ذلك الزعيم العظيم الذي يدعونه بطلا لم يفلح في أيّ شيء سوى خوض معارك خرج منها مهزوما، بل إنه أقبل على الشعب وفيهم فقراء وأغنياء فحولهم إلى فقراء بمستويات مختلفة، وكانت السجون فارغة فملأها ومات، وهو أسلوب ليس غريبا، لأنه لا يعدو أن يكون عرفا متوارثا الأسياد المحترمين. وزعم بعضهم أنّ وفاته لم تحظ بحقّها من الحزن، لأنها جاءت قبل ليلة من العيد، ولحق بها صباحٌ عيد جميل مضمّخ بالندى البارد ورائحة الطين الشهيّة، وبالأطفال والصبايا الذين ينتظرون هداياهم وألعابهم وشروخهم، واعتبر المتديّنون هذا من الأمارات الإلهية على غضب المولى عليه. قيل إن محبيه ملؤوا قبره بتراب من القدس ودفنوه في تراب القدس، وبسبب الزحام اضطرت الشرطة لقتل شخص واحد على الأقل بالرصاص وإصابة بضعة آخرين، وكل ذلك بداعي تفريق الزحام، في الوقت الذي كان فيه عناصر دوريات العدو يستريحون من مهماتهم لذلك اليوم وينظفون أسلحتهم في انتظار مساءٍ هادئٍ ناعم، وخرجت امرأة من شعبه لابسة غترة مطابقة لغترته المرقّطة، وقالت بأعلى صوتها: يجب أن تلبس كل نساء المسلمين هذه العمامة مع العقال في يوم العيد إكراما لشخص المتوفى العظيم، والشهادة لله أنها مشورة لم تطعها على ما يبدو نساء الوطن فضلا عن كل نساء المسلمين، فقد انشغلن عنها هنّ وأزواجهنّ بالجدال حول إذا ما كان رجل القضية مسموما أم مات ميتة خالد بن الوليد، وازدادوا انشغالا بنبأ محاولة اغتيال خليفته في المنظّمة، وبنشوء جدل جديد حول احتمال أنها من تدبير بعض أصدقائه الذين لم يكن لهم نصيبهم المعقول من الكعكة الموروثة. ـ
ـــــــ