Friday, December 03, 2004

اخر كتابات ابراهيم الزاير ............بقلم علي الشباني

: عندما ينتحر شخص ما - اي شخص - يترك موته في نفوس البشر صدمة وفي تاريخ البشر اشارة ، كذلك كان موت الصحفي والفنان العراقي ابراهيم زاير لقد ترك ورقة صغيرة بعد انتحاره كتب فيها (الى الجميع... قررت ان انهي حياتي في 24/ 4/ 1972 .. آسف لازعاجكم) .
الصدمة عبر عنها الشاعر العراقي المقيم في بيروت وقتها (بلند الحيدري) بكلمة عاطفية جاء فيها: كمن يغني في الظلمة ليطرد خوفه سنقول: انك باق معنا لاننا نخاف من موتك على حياتنا ولكن الى حين..الى ان ننسى.ولكن الاشارة لاتنسى ولا تتذكر انها علامة ..المقال المنشور هنا هو اخر ما كتبه للصحافة الشهيد ابراهيم زاير ظهر في العدد الاخير من مجلة” العلوم “ البيروتية ، التي كان يشرف على تصميمها.. المقال خواطر عن ديوان الشاعرة العراقية الرائدة - لميعة عباس عمارة - انها اشارة ، اليس كذلك ؟ *****انها لا تلهو.. امرأة تجد نبض الحياة يفلت من يدها ولا يعود الا ليستفز جراح الماضي المفتوحة ، ماضي الشباب المتألق ، الذي كان قصيدة كونية عظيمة غير مكتملة . لانها لم تستمر لقد انطفأت الدنيا وساد في الايام ظلام مؤلم .. انتهى الاصدقاء وتباعدت الاصابع بعد ان تشابكت وغفا القلب .. وصحا.. وغفا على بؤس الحياة اللا مصدقة بآمال هاربة تطرد مثل صديق ملاحق . في هذا الاضطراب تارجح الحب القديم وتكاثفت عليه خيبات وترسبت حوله اسباب الابدية واختلط كل شيء بكل شيء . انه عالم مخذول .لميعة-العراقية- تستيقظ وتفتح قلبها وتغني انشودة مثل طير بدأ يشيخ وحيدا على غصنه .. اداء حزين لتجربة عمر بدأ بها زمن القلق الوحشي تتصاعد الشكوى النبيلة الواثقة من ارضها ، تتصاعد لنقول لكل عناصر الماضي صورتها الحقيقية ان” الوهم “ الذي هو الشكل الحالي للماضي ، الوهم يصبح اكثر تصديقا من قوة الحقيقة الثقيلة ، هذه الحيرة المدمرة . التي يتجاوز تحليلها حدود التبرير المنطقي ، تستحيل الى حسرة وحنين مقطوع ، ان الماضي يلعب دوره مدانا قانعا بادانته ، رخوا كأية حقيقة لا تجد انعكاسها الجوهري في ذات الانسان . الماضي الذي كان يحلم ان يكتسب الديمومة وان يفيض في جو مضيء ومشرق ، ان ينفث في الاشياء حياة جديدة ، ان يكسر الاطواق العتيقة ، ان يبني في الذات ضميرا جديدا مفتوحا على الاخر . ان يكون صورة الحب الحقيقية وان يضيف اليه عناصر الاشراقة الجديدة التي بدأت... لميعة عرفت ذلك وتماسكت تحافظ على وجودها الآني واحتفظت بعواطفها الاصيلة التي لم يجرؤ الظلام على تعتيمها ، بقيت لميعة تنظر الى الكون المنهار صامتة ، لقد خسرت نفسها فلا مجال لخداع الذات ولا للهرب ، لا مجال الى النكوص الذي يتلاءم مع الجو العام - لقد كانت حقيقة تدين(الان) تلك المعركة البطيئة الشبيهة بفلم سينمائي ، لقد كانت تموجات الحياة وهي تنازع المخالب الهابطة عليها ، كانت رهيبة مطوقة ، والجروح عميقة تندلق منها وجوه الاصدقاء والاحبة والاناشيد .كانت اسئلة الشاعرة صعبة ولم تكن حائرة تنتظر الاجابة ، لقد تعاملت مع حضورها في الاشياء في نفس اضطرابها ، انما ليس بمجانبة وخفة ، لقد توجهت الى الماضي المتداخل مع الحاضر في حوار تبحث فيه عن خلود جديد للزمن تحاول امساك اللحظات الوردية ، انها لا تريد ان يهرب منها شيء مرة اخرى ، لقد اتضح المشهد من جديد . في هذا الجو استيقظت لميعة وقد تأصلت فيها اصالتها الشرقية الجذور لقد خرجت الشعر بالانسان ، بذاتها بحثت عن الماضي في حنينها الصاخب لحضور الايام الغائبة وناقشت هذا الحضور ، لم تكن تريد للحب (المطلق) ان يموت في نهاية سهلة ، نهاية الموافقة على التحام جسدي او الموافقة على شروط حوار معقد هو طرف قاتل للحب . في الحب تحاول لميعة الوصول الى جوهر الاخر والامتزاج به ، ان هذا التجلي يأخذ عندها اشكالا اخرى ، انها تتحدث كأنثى وعلى هذا الاساس ترفض (الغيرة) التقليدية ، نريد ان تتوحد في الاخر وتزهو لانها اكتشفت مثيلا لها . عن
انسجام .. عن توافق . انها تحاول امساك الزمن بالحب.
عن صحيفة الصباح العراقية .

No comments: