Wednesday, September 20, 2006

اربع قصائد نثر....الكاتب عبدالعظيم فنجان



أربع قصائد نثر
GMT 9:30:00 2006 الأربعاء 20 سبتمبر
عبدالعظيم فنجان
اغنية الرحلة
كنتِ أقل من أن يحبكِ، لكن قلبه كان مصرا على الاحتفاظ بوسامته: هكذا قاوم كل جفاف العالم وهو ينقل اليكِ قــطرةَ المـــــاءِ: قطرة الماء الوحيدة التي تحوّل صحراء روحكِ الى ترنيمة يـنبوع، يهزّ بها المبتلـّون بالقحطِ المهدَ، فتتسرب خارج جسدكِ عدوى الرمل التي نقلوها معهـم في الطريق اليكِ. لم تنفع معكِ الاغاني التي كتبها بلغة القمرلأن ظلامهم كان مشعا، ولم تـكـنس الترانيم غبارَ الجحود مـن على حبال صوتكِ، لأنهم زرعوا نعيبَ غربانهم هناك:
كل عواصف الخريف كانـت رهن اشارتكِ، لكـنكِ اكتفيتِ بأن تراقـبي كيف يتم تجريده من خضرة الربـيع، فهو الشجرة التي لابد من نهبها، بَـيَدَ أنّ قلبه لبث محتفظا بفروسيته، وهو ينقل اليكِ قطرة المـاء: قطرة الماء الوحـيدة في هذا الكـون،التي تجعـل منكِ مشروع كوكب صالـح للحـياة، حتى إذا مـا وصل أخيرا، ووضـع القـطرة فـي صحن راحتـيـكِ، لم تريـنه، ليـس لأنكِ خسرتِ نـظـرتــكِ الباطـنية فقـط، وإنما لأنه كان قد تبخـّر تماما، مــن شدة العطش، خلال الرحلة.
جاز شرقي
كنتُ أسكـرُ كثيرا في تلك الأيام، وكان يربكـني أني، في كل صباح، لا أجد النافذة مكانها: النافذة التي أنظر مـن خلالها الى امرأة، هـي كــل الوردة، لو فكـّر العالـم أن يـصير عطـراً.لا أعرف.. ربما لأن النـورالذي كانت تتركه ورائها كان قويا، فيحجب عني النافــذة: النافذة التي مـن خلالهـا كانـت تثــب الى غرفــتي، في الـليل، فأقــود روحَـها، في لجّة السـُكر، الى مـدن كنتُ أحـلمُ بها، في قصائد هاذيـة، كتبها مجهولون على الصفحة البيضاء من سُـخام حياتي. لم أكـن متأكـدا ممّـا يحصل: لماذا تظهـر النـافـذة على الحائط، في الـليل، وتختـفـي في الصباح؟ حتى قـررتُ، ذات ليلة، أن أتوقــف عن السـُكر،لأنقبَّ عنها بجدية تحت الاغطية، حيث يتدثر المنفى مـن شدة البرد، في المرآة التي تـشطف رؤوس المارّين في أعـماقها، تحت حنفية الماء، في الكتب وهي تـُخيط بدلة المكتبة، في.. ولم يكن مافعلتُ مجديا، فليس ثمة أثر لـهـا، ولا للـمرأة الـتي كانـت، طوال الليل، تجـمـع دموعي براحتيها، لتغسل بـهـا بصيص الضوء المتسلـل الى عزلتي مـن مسام الافـق، أو تفرك برائـحتـها جسـدي، فتتساقـط منه تـقـاويـم السـنوات التي حفـر عبرها الألمُ نفقه اللانـهائــي، داخـل روحـي، فوصلـتُ من خــلاله الى هذه الغرفة المقـتطعـة مــن حقول الخيال..كنتُ مربَـكا من نتائج البحث، وأشعـر باضطـراب من صحة كونـي كنتُ موجودا، لأن العـالم كله، العـالم برمـته، كان قـد فصّل حـياتي، حسب حجم كل قتيل في الحروب عبر التاريخ، كما شجرة انفجرتْ في قلبها عاصفة ُ ريح، فلم يعـد ممكـنا جمع أوراقها المتطايرة،التي تحـوّلتْ الى كمائـن طيور، وأفخاخ عصافير في الغابات.
أين النافذة؟
كنتُ قد عدتُ الىالسـُكر، من شدة الصراخ، فتجلّتْ لي: وجدتـُهــا لابثة في مكانها قبل أن اُوجد أو توجد الغرفة، ثم رأيتُ المرأة التي لم يمسسها أحد قط، لكن... لم يكن ممكنا الاستمرار بالصراخلأكثر من ليلة واحـدة،لأنهم حملوني الى الخارج في الفجر، تركوني وحيدا في العراء، وثمة ورقة في يدي: ورقـة حدّقــتُ فيها بذهول، سنوات طويلة، حتى أنني، على ضوء ماجـاء في الورقة، فسـّرتُ الغموض الذي ظـلّ يكـتنفُ فـكـرة الشيطان أو الملاك، فقد رأيـتُ حـجـم الـقسوة في قـلب هذا العالم، متجلياً في عقد الايجارالذي يذكر أنَّ الغرفة، التي استأجرتها في تلك الأيام، كانت بلا نافذة، أصلا.
الخادم في تلك الساعة التي تطير فيها الصخرة والريشة، إلا أنتَ، انتظرتَ أن ينجز الخادم، المخبوء فــي خاتم سليمان مهمته، فتفتح عينيك، بعد جملتين قصيرتين، لتجد نفسك في مدينة اخرى. لم يكن ثمة مَهرَب من هذا الطيران بين المنافي، الا بالسحر، حيث الترياق اجنحة للتحليق، والجرعة الواحـدة منه تـذكرة للسفر مع الدخان.- ثمة امرأة ما هناك تنتظرك، عارية، عند البحر.يقول المهرّب الذي هبط نحو القرية لإستدعاء صاحبة الخاتم، فتأخذك النشوة عاريا الى البحر، حيث المرأة تبتسم،عارية بانتظارك، فتلوّح لها:إنَّ شيئا ما يوشك أن يحصل، معجزة ما قد تحدث، فيمـا في الخارج الشرطة، يتقدمها الخادم شخـصيا، سيقتحمون الكهـف الذي لجأتَ اليه، في تلك الساعـة التي تطير فيها الصخرة والريشة،إلا أنتَ..
أُفكـّر
مثل شجرةكانت تنمو، في أعماقي، غابات مذهـلة. كنتُ أحرص عـلى أن أزوّدها بما في الخيال من ينابيع، ظِلال، وأثمار، لكن خططــي تبدلتْ حين وُلدتُ كانسان. في الأصل كنتُ مشروع شجرة، ولم أعرف لِـمَ نبتُّ الى جواركِ بهذه الهيئة المحطّمـَة، حيث كل لمسة منكِ هي الفأس. سألبث مفكـرا في بؤس مخيالكِ، حتى وأنا أتساقط ورقة بعد ورقة، لأن سارية ضميركِ لن تتخذ الأخضر راية، فالخريف أبدا هو من يرفرف فوقها، كما أنني لن أكف عن معانقة ربيعي الخاص، وإن كنتُ شجرة تعيش في غابة إنسانكِ الشاحب.
........................
منقول من موقع ايلاف
الصوره من البوم مهدي النفري

Wednesday, September 13, 2006


للخَديعةِ طعمُ الأُبوة

شعر موسى حوامدة

للغيومِ نهارٌ آخرُ
للخديعةِ طعمُ الأبوة
للمشانق حكمةٌ تُخْفيها الرهبة.

آنَ يحملُنا النهرُ إلى أخطائنا الأولى
آنَ يجمعنا النهارُ في وجبةٍ سيئة
آنَ يحرِقُنا العجزُ في أتون المنفى،

كلماتُه ترنُّ في أذن الجبالْ
سعالُه يَصدحُ عاليا
بياضُ حَطَّته
تَهدُّل عِقاله
حزامه الجلديُّ العريض
ظهره المنحني
جبهتُه الموشومة بتعاريج الصخور
بياضُ صَدْرِه
سُمْرَةُ وجهه
نَقيضان للطبيعة
شَبيهان بالوريث.

آنَ تَقهرنا الفكرةْ
تصنعنا الحسرةْ
آن تَسْحَرنا الخطيئة.

الآخرونُ لا يقيمون في مآتمنا
الآخرون لا يشاركوننا الفضاء
الآخرون يتركون لنا جفافَ حقولِنا وحلوقِنا
يأخذون سِيَرَ الآباء
ويبقونَ لنا صحراء الذكرى
والندم،
آنَ يستوي المَيِّتُ والزهرةُ الذابلة
آنَ أتَجرَّعُ وحدي كأس الخذلان
آن لي وطنُ الخسارة.

كنا نقيمُ للسنواتِ قصرَها المرمري
بقينا ثلاثتنا نحكم الدنيا
بوظائفنا العمومية
برواتبنا الهزيلة
بحكمنا الصارم على قطعان الكلام
أحرارٌ يُقيِّمون الكائنات
شياطين على ضفة الجنوح،
وحين يبقى أحدُنا مستفردا بالعرش
يختفي الأبُ دون أرثٍ عائلي.


بعيونه المشعةِ في الظلام
بعيونه المختفية خلف نهر الصور القديمة
تلاشى سليلُ النار
غطَّت سُخونة العَبَرات
ما تبقى من ضياء،

حَقُّه أن يموت
حقه أن يُودعَ الهضابَ التي مشى عليها
النجومَ التي حاورها
الوجوهَ التي رآها،
حقُّه أنْ يفعل ما يشاء
ينهي حَبكة المسرحية
في لحظته التي تليق بجبل لا يتبدد،

هنا دمعه المتدفق
هنا ماؤه العذب
هنا جنته الضيقة
هناك خلفَ اللاشئ
بنى للكلماتِ قبرها وللغيابِ وَصيته،

أبي الذي كان
أبي الذي يكون
أبي الذي لم يكن،

لستُ شاهداً على الفتنة
كنتُ حطبَها المحترق.


الذي لَمْ يودعْ النهار
حَمَلَ عَتمَته وطار
الذي لم يقبضْ الأبيض
كَسَرَ الليل شظايا
هيأَ مأدبة الضياء
ثم أظلمت عيناه !

جيشه منتصر
قبيلته عائدة من الغزوات
حربه رابحة
وحدي فُلول المهزومين،

جيشُه مندحر
قادته جلاوزة
معسكراته فارغة
حطامي بين يدي
حطامي أمامي،

بيديه المرتعشتين
ضمَّ جَسَدَ المولود
مسَّدَ جَبينَ الغبطة
سَرَد للخاسر رأسمالِه.

أعودُ لمنزله
لطيبته السرية
لفاكهته البعيدة
لغصونِ يَديه وأشجار جلساتِه
أقَبِّلُ الحبورَ يرافقُ قطعانَ غزلانه الهاربة
أقبِّل الفضاءَ يلف المكانَ بألفته النبيلة.

أعود لكلماته,
لرنَّة الأسى في صوته
لمنازل اختفت مع عشائه الأخير،

أعودُ إلى باحة الحوش القديم
إلى بهجته الدفينة
إلى ذكرى صفعاته الأليمة،
لنداء الاستغائة الذي لا يوقفُ هديرَ بَحرِه الفائض،

أعود لنَداهُ
لحُنوِ روحِه التي لا تَبين
لهشاشة أنفاسِه المُعْتَذرة
لتفادي العاصفة
لاحتدام الوجاهة بالخشية،

أعودُ خاسراً مثلَ غيْمَةٍ تلاشتْ في الفراغ
خاوياً منكَ ومني
مليئا بغيري،


يا صوتَ الجبال
يا صَدى الريف
يا حرير الرضا
أينَ يَدفعُ البحرُ ماءه؟
أينَ يَكنزُ الغريبُ جثة أبيه؟
كيف يرتقُ المكلومُ شقوقَ كلماته؟

يا غيومَ العمر العابرة
ترفقي بالماء
اقطعي زَبَدَ السيول
رغوةَ المنابذة
أصيخي سمعاً لندائه البعيد
نداء الغرقى الأخير
أَصيخي سمعاً لثغاء الماعز المذبوح
لوصايا الجَسد المُسَجَّى.

عمان في 16و20-10-2003
Musa_hawamdeh@yahoo.com
::::::::::::::::::::::::::::
الصوره من البوم
مهدي النفري

Saturday, September 09, 2006

شيء ما ....مهدي النفري

شيء ما
يحدث أن تجد وجهك وحيدا
وأنت
تجلس القرفصاء
تملا الحيطان ذكرى
تكتب اسماءا .....وتشطب أخرى
تاتي بالمرآة لتضعها تحت قدميك
وتمض
من جديد تلمح انكساراتك
داخل ظلك
او عيون الكلاب السائبه
والارصفه
تستمع لأغنية مادونا
وربما لعبد الحليم حافظ
لافرق
القناني الفارغه تشبه فراغنا من الحياة
وحين ينهكك
الدوران
وتعود
لتبدأ حياتك في الصباح
مواطنا نزيها
يجني الضرائب من الفقراء
يدافع عن الوطن
يصلي في المسجد والكنيسه
يستجيب الرب لدعائك
ويبعث شرطيا يقتادك
من ربطة العنق
لتعترف بأنك
لم تكن سوى كلب تقمص شكل البشر
انتهى المحضر
تترك وراءك 6 أطفال
وظلا يُقال له ....إمرأه
..........................................
مهدي ألنفري
22-8-2006

Friday, September 01, 2006

التصوف عند النفري...احمد جميل الحسن



التصـــــــوف عنــــــد النــــــــفري
ملحق ثقافي الثلاثاء 9/8/2005أحمد جميل الحسن
لقد قرأنا عن متصوفين كثيرين مثل "ابن عربي،الجيلاني،الحلاج، أبو زيد البسطامي، القشري،السهرودي" ولكننا بالكاد سمعنا عن النفري الذي يعد حقاً أبا الصوفية إن جاز التعبير لشدة ولهه في تعلم الفلسفة الوجودية والغوص في أبعد من إدراك المدرك إلى الأسرار الروحانية التي ترقى إلى الأسرار الإلهية،لتتحد الروح في النهاية مع خالقها نابذة كل ما هو دنيوي.والصوفية هي في نقاوة خلاصتها "الحنين إلى السّر،أو الوجد النازع إلى الإرتواء من مصدر المصادر كلها". بداية يتناول الناقد "يوسف سامي اليوسف"في كتابه بعد المدخل "تعريف الصوفية"التي يوجد لها جذور وينابيع كثيرة متعددة ولكن اهمها تلك الأركان الثمانية التي أسس الجنيد التصوف عليها ومن ثم يورد لنا تعريفاً لأحد المتصوفين الذي عرّف التصوف بأنه"النظر إلىالكون بعين النقص"ويتطرق اليوسف إلى حياة محمد بن عبد الجبار النفري بصفته صاحب فكر ومتصوف، يبحث فيما هو أبعد من الخير والشر والتماس المعرفة الحقيقية في سر الوجود الروحاني ومداه وقد جاء في الموقف الثاني عشر ص27 "وقال لي :أتدري أين محجة الصادقين؟هي من وراء الدنيا، ومن وراء ما في الدنيا، ومن وراءها في الآخرة"فالنفري حسب اليوسف:"لايشبه أحداً ولا يشبهه أحد من الكتاب الصوفيين الذين سبقوه أو عاصروه"فهو يعتمد على المتضادات ويعتبر الصراع، أزلياً بين الخير والشروالنور والظلام. وبما أن الصوفيين ينأون عن ملذات الحياة وينصرفون إلى العالم الروحاني فإن تصرفاتهم تتجلى للعامة وكأنها شيء فوق الطاقة البشرية المعتادة، فلباسهم عادة يكون من الأسمال الثقيلة والرثة الرخيصة دلالة زهدهم الحياة، وآراءهم غاية في التتطرف مما يصعب على العامة فهمها ويرى البعض أن الصوفية الأصلية أو النقية لا ترى في الموت إلا الدرب التي تفضى إلى المحبوب، أو إلأى الوطن المفقود. ولهذا فقد عمد بعض الصوفيين إلى صنع عرس لمن يتوفى منهم.، وتعاليمهم تتحلى بالعظة والحكمة الخالصة التي تبدو من عالم الأرواح أو الخيال، ولا بد للصوفي من وجود معلمين له متأثراً بتصرفاتهم وآراءهم ومطبقاً تعاليمهم، ومجتهداً في إضافة آراء وأفكار جديدة تميزه عن الآخرين، ولعل ابن عربي في فتوحاته المكية كان خير معلم مقتدى، لكن رأي يوسف اليوسف يجعلنا نوازن بين النفري وابن عربي من حيث التعمق في جوهر التصوف، وكذلك الإمام الشافعي وشعره الصوفي، وكيف اعتمد الشافعي وابن عربي على الدين الإسلامي في أفكارهما، وكيف أن النفري اقتبس القليل من القرآن وإشارات لا تكاد تذكر من الحديث الشريف، ولكن بقي الطابع الغالب علىأفكاره هو الديانة الإسلامية.مما يوقعنا في حيرة من أمر هذا الرجل ومعتقده الديني، بعد أن تعذر على الدارس يوسف اليوسف أن يحدد مراجع للنفري كان قد أخذ منها من أسلافه: (إذ ما من كاتب على الإطلاق، أكان صغيراً أم كبيراً، إلاوهو يصدر عن أسلافه السابقين، ولا أسلاف للنفري في الثقافة العربية، لدى النظر في العمق أومستوى الجوهر، فهو، للحق، فريد من نوعه)ص23 وتحت عنوان(( العلم والمعرفة والرؤيا ))يوضح لنا اليوسف أهمية كتاب النفري وأفكاره التي توسع ملكات العقل لدى القارئ وتصعد به ما هو أسمى وأعمق من المعتاد والمتداول بين الناس، بحيث يدخله هذا الكتاب إلى الشعور بالانفتاح على عالم فوقي، جوهره الخير ولا شيء غيره وسمو النفس عن الجسد الفاني الفاسد في الدنيويات، إذ يرقى المتعمق بهذا الشعور إلى الانتقال إلى النفس الإلهية والجلوس بقربها والتحدث معها، لأن هذه النفس إنما هي مصطفاة من قبل الإله نفسه.ويتم التحدث مع الله من خلال الإيمان العميق، والشعور بوجود الإله والإحساس بأن هذا الإله قريب من المتصوف يسمعه ويحس به ويراه عن قرب، وأنه أي المتصف إنما حياته كلها مكرسة من أجل خدمة الروح التائقة دوماً لله. وهناك فكرتان هامتان لا تفهم الصوفية إلا بهما حسب رأي يوسف سامي اليوسف: أولاً-خلاصتها أن الروح في المنفى، وأن صبوتها إنما تنصب على موطنها الأصلي الذي هو الملكوت المفارق بإطلاق، إنه مطلق متعال لا تستطيع الروح أن تناله في هذه الدنيا قط ولكنها لا تملك الصبر على فراقه بالوقت نفسه. ثانيا-مؤداها أن مقولة «الوجد الصوفي» من المصدر إياه الأمر الذي يعني بين الكلمات الثلاث صلة رحم لاتخفى على الذهن المستأني وهذا يتضمن أن كل حياة بغير وجد هي ضياع. فشعور النفس بالاغتراب وتأملها فيما أبعد مما هو حولها أو مدرك من قبل العامة إنما يدل على رحلة الروح في عوالم الأسرار الغيبية التي لا يدركها أي حس، بل هي حالة هيمان النفس في أسرار الكون وخالقه، متجردة من كل ماهو دنيوي قد يعيق مسيرتها المعرفية التأملية، لتصل بالنهاية إلى المعرفة الحقة التي لا تحس ولا تدرك إلا بعد هذه الرحلة التي قد تستمر طيلة حياة الإنسان.حيث يطوع الإنسان المتصوف حياته فلسفياً، بمعنى أن يعيش ما تبقّى من عمره في الزهد الدنيوي والبذخ الفاحش روحياً، إذ يغوص عميقاً في أسرار الطبيعة، والنفس واختلاجات الجسد، والظواهر الكونية التي تمس حياته، وتلمس الذات الإلهية الغائبة من خلال النفس البشرية الحاضرة في الجسد الدنيوي لتأدية تلك الرسالة في توحدها مع الله. الكتاب قيّم وهو مطلب لكل مهتم و باحث ينهل منه المعلومة والمعرفة. هــــامش: الكتاب:مقدمة للنفري دراسة في فكر وتصوف محمد بن عبد الجبار النفري. الكاتب: يوسف سامي اليوسف. الناشر: دار علاء الدين-دمشق.تاريخ النشر:2004 طبعة ثانية
......................................................
منقول من جريدة الثوره السوريه