Friday, September 01, 2006

التصوف عند النفري...احمد جميل الحسن



التصـــــــوف عنــــــد النــــــــفري
ملحق ثقافي الثلاثاء 9/8/2005أحمد جميل الحسن
لقد قرأنا عن متصوفين كثيرين مثل "ابن عربي،الجيلاني،الحلاج، أبو زيد البسطامي، القشري،السهرودي" ولكننا بالكاد سمعنا عن النفري الذي يعد حقاً أبا الصوفية إن جاز التعبير لشدة ولهه في تعلم الفلسفة الوجودية والغوص في أبعد من إدراك المدرك إلى الأسرار الروحانية التي ترقى إلى الأسرار الإلهية،لتتحد الروح في النهاية مع خالقها نابذة كل ما هو دنيوي.والصوفية هي في نقاوة خلاصتها "الحنين إلى السّر،أو الوجد النازع إلى الإرتواء من مصدر المصادر كلها". بداية يتناول الناقد "يوسف سامي اليوسف"في كتابه بعد المدخل "تعريف الصوفية"التي يوجد لها جذور وينابيع كثيرة متعددة ولكن اهمها تلك الأركان الثمانية التي أسس الجنيد التصوف عليها ومن ثم يورد لنا تعريفاً لأحد المتصوفين الذي عرّف التصوف بأنه"النظر إلىالكون بعين النقص"ويتطرق اليوسف إلى حياة محمد بن عبد الجبار النفري بصفته صاحب فكر ومتصوف، يبحث فيما هو أبعد من الخير والشر والتماس المعرفة الحقيقية في سر الوجود الروحاني ومداه وقد جاء في الموقف الثاني عشر ص27 "وقال لي :أتدري أين محجة الصادقين؟هي من وراء الدنيا، ومن وراء ما في الدنيا، ومن وراءها في الآخرة"فالنفري حسب اليوسف:"لايشبه أحداً ولا يشبهه أحد من الكتاب الصوفيين الذين سبقوه أو عاصروه"فهو يعتمد على المتضادات ويعتبر الصراع، أزلياً بين الخير والشروالنور والظلام. وبما أن الصوفيين ينأون عن ملذات الحياة وينصرفون إلى العالم الروحاني فإن تصرفاتهم تتجلى للعامة وكأنها شيء فوق الطاقة البشرية المعتادة، فلباسهم عادة يكون من الأسمال الثقيلة والرثة الرخيصة دلالة زهدهم الحياة، وآراءهم غاية في التتطرف مما يصعب على العامة فهمها ويرى البعض أن الصوفية الأصلية أو النقية لا ترى في الموت إلا الدرب التي تفضى إلى المحبوب، أو إلأى الوطن المفقود. ولهذا فقد عمد بعض الصوفيين إلى صنع عرس لمن يتوفى منهم.، وتعاليمهم تتحلى بالعظة والحكمة الخالصة التي تبدو من عالم الأرواح أو الخيال، ولا بد للصوفي من وجود معلمين له متأثراً بتصرفاتهم وآراءهم ومطبقاً تعاليمهم، ومجتهداً في إضافة آراء وأفكار جديدة تميزه عن الآخرين، ولعل ابن عربي في فتوحاته المكية كان خير معلم مقتدى، لكن رأي يوسف اليوسف يجعلنا نوازن بين النفري وابن عربي من حيث التعمق في جوهر التصوف، وكذلك الإمام الشافعي وشعره الصوفي، وكيف اعتمد الشافعي وابن عربي على الدين الإسلامي في أفكارهما، وكيف أن النفري اقتبس القليل من القرآن وإشارات لا تكاد تذكر من الحديث الشريف، ولكن بقي الطابع الغالب علىأفكاره هو الديانة الإسلامية.مما يوقعنا في حيرة من أمر هذا الرجل ومعتقده الديني، بعد أن تعذر على الدارس يوسف اليوسف أن يحدد مراجع للنفري كان قد أخذ منها من أسلافه: (إذ ما من كاتب على الإطلاق، أكان صغيراً أم كبيراً، إلاوهو يصدر عن أسلافه السابقين، ولا أسلاف للنفري في الثقافة العربية، لدى النظر في العمق أومستوى الجوهر، فهو، للحق، فريد من نوعه)ص23 وتحت عنوان(( العلم والمعرفة والرؤيا ))يوضح لنا اليوسف أهمية كتاب النفري وأفكاره التي توسع ملكات العقل لدى القارئ وتصعد به ما هو أسمى وأعمق من المعتاد والمتداول بين الناس، بحيث يدخله هذا الكتاب إلى الشعور بالانفتاح على عالم فوقي، جوهره الخير ولا شيء غيره وسمو النفس عن الجسد الفاني الفاسد في الدنيويات، إذ يرقى المتعمق بهذا الشعور إلى الانتقال إلى النفس الإلهية والجلوس بقربها والتحدث معها، لأن هذه النفس إنما هي مصطفاة من قبل الإله نفسه.ويتم التحدث مع الله من خلال الإيمان العميق، والشعور بوجود الإله والإحساس بأن هذا الإله قريب من المتصوف يسمعه ويحس به ويراه عن قرب، وأنه أي المتصف إنما حياته كلها مكرسة من أجل خدمة الروح التائقة دوماً لله. وهناك فكرتان هامتان لا تفهم الصوفية إلا بهما حسب رأي يوسف سامي اليوسف: أولاً-خلاصتها أن الروح في المنفى، وأن صبوتها إنما تنصب على موطنها الأصلي الذي هو الملكوت المفارق بإطلاق، إنه مطلق متعال لا تستطيع الروح أن تناله في هذه الدنيا قط ولكنها لا تملك الصبر على فراقه بالوقت نفسه. ثانيا-مؤداها أن مقولة «الوجد الصوفي» من المصدر إياه الأمر الذي يعني بين الكلمات الثلاث صلة رحم لاتخفى على الذهن المستأني وهذا يتضمن أن كل حياة بغير وجد هي ضياع. فشعور النفس بالاغتراب وتأملها فيما أبعد مما هو حولها أو مدرك من قبل العامة إنما يدل على رحلة الروح في عوالم الأسرار الغيبية التي لا يدركها أي حس، بل هي حالة هيمان النفس في أسرار الكون وخالقه، متجردة من كل ماهو دنيوي قد يعيق مسيرتها المعرفية التأملية، لتصل بالنهاية إلى المعرفة الحقة التي لا تحس ولا تدرك إلا بعد هذه الرحلة التي قد تستمر طيلة حياة الإنسان.حيث يطوع الإنسان المتصوف حياته فلسفياً، بمعنى أن يعيش ما تبقّى من عمره في الزهد الدنيوي والبذخ الفاحش روحياً، إذ يغوص عميقاً في أسرار الطبيعة، والنفس واختلاجات الجسد، والظواهر الكونية التي تمس حياته، وتلمس الذات الإلهية الغائبة من خلال النفس البشرية الحاضرة في الجسد الدنيوي لتأدية تلك الرسالة في توحدها مع الله. الكتاب قيّم وهو مطلب لكل مهتم و باحث ينهل منه المعلومة والمعرفة. هــــامش: الكتاب:مقدمة للنفري دراسة في فكر وتصوف محمد بن عبد الجبار النفري. الكاتب: يوسف سامي اليوسف. الناشر: دار علاء الدين-دمشق.تاريخ النشر:2004 طبعة ثانية
......................................................
منقول من جريدة الثوره السوريه

No comments: