عن الالمانية علي مصباح
ثلاثة فصول من كتاب "هكذا تكلم زرادشت" لفريدريش نيتشة
إهداء: إلى الشاعر علي الدميني أولا،
وإلى النعامة العربية سيدة الحكمة والمراوغة ثانيا.
نيتشه
عن مشاهير الحكماء
الشعبَ وخرافات الشعب خدمتم، يا مشاهير الحكماء، جميعكم !- وليس الحقيقة ! ولهذا بالذات غمركم الناس بآيات الإجلال .
ولذلك أيضا تحمّل الناس عدم إيمانكم، لأنه كان مجرد دعابة ومسلكا ملتويا باتجاه الشعب. كذا يفعل السيد وهو يغض الطرف عن عبيده ويتسلى أيضا بمرحهم العابث.
لكن الذي يكون مكروها من الشعب كالذئب لدى الكلاب: هو العقل الحر، عدوّ القيود ، المُدبر عن العبادة، الساكن في الأدغال.
مطاردته و إجلاؤه عن مخدعه ؛ ذلك ما يعني لدى الشعب "حسّا بالعدالة ": وضده يستثير كلابه الأكثر شراسة .
"ذلك أنه هنا تكون الحقيقة: إذا ما كان الشعب هنا! و ويل، ويل للسالك دروب البحث !" هكذا ظل يُعلن على الملأ منذ القدم .
أردتم إقرار الصواب لشعبكم في عبادته؛ وسمّيتم ذلك "إرادة الحقيقة"، يامعشر مشاهير الحكماء!
وكان قلبكم يحدّث نفسه على الدوام: "من الشعب أتيتُ؛ ومن هناك أيضا أتاني صوت الله ".
مثابرين ودهاة على غرار الحمار كنتم دوما في دفاعكم عن الشعب .
والبعض من ذوي الجاه ممن كان يروم السير سيرة المحنّك مع الشعب قد شدّ إلى مقدمة جياده أيضا حمارا: واحدًا من مشاهير الحكماء .
والآن، أردت لو تلقوا عنكم أخيرا جلد الأسد كليًّا يا معشر مشاهير الحكماء!
جلد الحيوان المفترس، الجلد المزوّق وفروة المستطلع ،الباحث، الغازي !
سيكون عليكم أن تحطموا إرادة العبادة التي في أنفسكم أوّلاً، كيما أتعلم الاعتقاد في "صدقكم".
صادق – كذا أسمّي ذلك الذي يمضي في صحاري لا آلهة فيها وقد حطّم قلبه المتعبّد.
تائها في الرمال الصفراء و ملفوحا بلهب الشمس قد يرنو بعينه ظمِئًا إلى جزر ملئية ينابيع حيث يستلقي الأحياء تحت أشجار ظليلة .
لكن ظمأه لن يقنعه بأن يغدو شبيها بهؤلاء المستلقين في الرفاه : ذلك أنه حيثما توجد واحات تكون هناك أيضا أصنام وتماثيل آلهة .
جائعةً ، عنيفةً ، وحيدةً ، وكافرةً : كذا تريد إرادة الأسد لنفسها أن تكون .
منعتقةً من سعادة العبيد، مخلَّصةً من الآلهة والعبادات، مخيفة لا تعرف الخوف، عظيمة و وحيدة: كذا هي إرادة صديق الحقيقة .
في الصحراء كان يقيم منذ الأزل أصدقاء الحقيقة، العقول الحرة، أسيادا على الصحراء ؛ لكن في المدن يقيم المتخمون علفا ؛ مشاهير الحكماء – دوابّ الحمل.
وعلى الدوام يدبّون فعلا كالحمير- يجرّون عربة الشعب!
كلا، لستُ بالحانق عليهم من أجل ذلك : لكنهم خدماً يظلّون بالنسبة لي ودوابّاً مسرّجة ، حتى وإن بدوا ملتمعين بسروج من ذهب .
وغالبا ما كانوا خدما جيّدين وجديرين بالإطراء. إذ هكذا تتكلم الفضيلة : " إذا ما كان عليك أن تكون خادما، فلتبحث لك عن ذلك الذي يستفيد من خدمتك على أفضل وجه !
وليكن لسيّدك كسب في مزيد عقل وفضيلة، لأنك أنت الذي تخدمه: هكذا تترعرعون بدورك مع نمو عقله وفضيلته !" الحقَّ أقول لكم يا معشر الحكماء، يا خادمي الشعب! لقد ترعرعتم أنتم أيضا على عقل الشعب وفضيلته –والشعب كذلك من خلالكم! إكراما لكم أقول هذا !
لكنكم تظلون شعبا في نظري حتى في فضيلتكم، شعب بأعين بليدة ،-شعب لا يفقه معنى العقل!
العقل هو الحياة التي تجترح نفسها في الحياة ؛ وفي المعاناة الخاصة تنمو المعرفة الخاصة،- هل علمتم بهذا الأمر من قبل؟
وإن سعادة العقل هي هذه: أن يكون مضمّخا بالدهن ومعمّدا بالدموع من أجل أن يكون أضحية،
- هل علمتم بهذا الأمر من قبل ؟
وإنّ عماء الأعمى وبحثه وتلمّسه ليست سوى الدليل الشاهد على قوّة وسلطان الشمس التي يحدّق فيها ،- هل علمتم بهذا الأمر من قبل؟
بالجبال ينبغي على مريد المعرفة أن يتعلّم البناء ! وإنه لشيء قليل أن يكون العقل قادرا على زحزحة الجبال،- هل علمتم بهذا الأمر من قبل ؟
إنكم لا تعرفون من العقل سوى شرارته، لكنكم لا ترون أي سندان هو، ولا قسوة مطرقته !
الحق أقول لكم، إنكم لا تعرفون كبرياء العقل! وأقلّ من ذلك ستكون قدرتكم على تحمّل تواضع العقل إذا ما عنّ لذلك التواضع أن يتكلم في يوم ما !
أبدا لن تجرؤوا على القذف بعقلكم في حفرة جليد: فليس لكم ما يكفي من الحرارة من أجل ذلك! وهكذا فأنتم لا تعرفون أيضا نشوة برده .
لكنكم وفي كل أمر تبدون في هيأة الخبير جدا بأمور العقل؛ ومن الحكمة جعلتم مأوى فقراء ومصحّة للشعراء الرديئين .
لستم صقورا؛ وهكذا لم يكن لكم أن تخبروا السعادة التي في رعب العقل. ومن لم يكن طائرا لا يحق له أن يبني عشه فوق الهوى السحيقة .
فاترون أنتم في نظري: لكن بردا قارسا تتدفق كل معرفة عميقة. شديدة البرد هي الينابيع العميقة للعقل: طراوة منعشة بالنسبة للأيادي الحارّة وللفاعلين.
محترَمين أراكم تقفون أمامي، بهيآت متصلبة وظهور كالأعمدة، يا معشر مشاهير الحكماء ! –لا تدفعكم ريح قوية وإرادة عاتية.
ألم تروا قط شراعا يمضي فوق البحر منتفخا متقوّسا ومرتعشا بالعصف الشديد للريح ؟
كما الشراع، مرتعشا بالعصف الشديد للعقل تمضي حكمتي فوق البحر –حكمتي المتوحّشة !
أما أنتم يا خَدَمة الشعب، ويا مشاهير الحكماء – من أين لكم أن تمضوا معي !-
هكذا تكلم زرادشت .
عن طريق المبدع
أتريد أن تمضي إلى الوحدة يا أخي؟ أتريد أن تبحث عن الطريق إلى نفسك ؟ تمهّل قليلا إذن واصغ إليّ .
" إنّ من يبحث يمضي بدوره إلى الضياع بسهولة. وكلّ اعتزال خطيئة ": هكذا يتكلّم القطيع . ولوقت طويل كنتَ مع القطيع .
سيظل صوت القطيع يرنّ في داخلك. وعندما ستقول : " لم يعد لي من ضمير مشترك معكم"، سيكون ذلك شكوى ووجعا .
أنظر، ذلك الوجع ذاته إنما ولّده ذاك الضمير : وآخر بصيص من ذلك الضمير ما يزال يشتعل فوق لوعتك .
لكنك تريد المضي على درب لوعتك الذي هو دربك إلى ذاتك ؟ أرني إذن إن كنت حقيقاً بذلك وذا طاقة عليه !
هل أنت طاقة جديدة وحقّ جديد ؟ حركة أولى ؟ دولاب يدفع نفسه بنفسه؟ سيكون بإمكانك إذن أن ترغم النجوم على الدوران حولك.
آه ، لكم هناك من طمع متلهف على الأعالي ! وهناك الكثير من صراعات الطموحين ! أرني أنك لست واحدا من الطماعين والطموحين !
آه، كم هناك من الأفكار الكبيرة التي لا تعدو كونها محاكاة لفعل للفقاقيع : تنتفخ لتزيد من من فراغ الفراغ .
حرّا تسمّي نفسك ؟ أريد إذن أن أستمع إلى فكرتك المسيطِرة، لا إلى كونك تخلّصت من نير.
هل أنت واحد ممن حقّ لهم أن يتخلّصوا من نير؟ هناك من رمى بآخر قيمة له عندما رمى بآخر أواصر عبوديته.
حرّ من ماذا؟ ما همّ زرادشت في هذا ؟ بل لتقل لي نظرتُك بوضوح : من أجل ماذا ؟
هل تستطيع أن تمنح نفسك خيرَك وشرَّك وأن تعلّق إرادتك مثل قانون فوقك؟ هل تستطيع أن تكون قاضي نفسك والمقتصّ لقانونك ؟
فظيع أن تكون على انفراد مع قاضي قانونك الخاصّ والمقتصّ له . نجم يُقذف به هكذا في فضاءٍ خلاءٍ وفي الوهج الجليدي للوحدة .
إلى اليوم مازلت تعاني من أولئك الكثيرين، أنت الواحد : إلى اليوم ماتزال شجاعتك كاملة وكذلك آمالك .
لكن سيأتي يوم تتعب فيه من وحدتك، في يوم ما ستنثني كبرياؤك وستصرّ دواليب شجاعتك. في يوم ما ستصرخ: "إنني وحيد !"
في يوم ما لن تستطيع أن ترى علوّك، وتكون وضاعتك ملاصقة لك؛ مقدّسك ذاته سيغدو مثل شبح مرعب بالنسبة لك. و ستصرخ ذات يوم : "الكلّ باطل !"
هناك أحاسيس تريد قتل المتوحّد؛ وإذا ما لم تفلح في ذلك فإنه سيكون عليها هي إذن أن تموت! هل أنت قادر على أن تكون قاتلا ؟
هل تعرف كلمة "احتقار" يا أخي ؟ وعذاب عدالتك في إنصاف أولئك الذين يحتقرونك ؟
إنك ترغم الكثيرين على مراجعة معرفتهم بك؛ ذاك هو ما يحاسبونك عليه حسابا عسيرا. لقد اقتربت منهم لكنك مضيت في طريقك؛ ذلك ما لن يغفروه لك أبدًا .
إنك تقفز من فوقهم : لكن كلما ازددت ارتفاعا إلا وتراءيت صغيرا في أعين حسّادك. غير أنّ الذي يحلق طائرا هو من تنصبّ عليه نقمتهم غالبا.
"كيف تريدون أن تكونوا عادلين تجاهي!" –كذا ينبغي عليك أن تتكلم- "إنني أختار لنفسي ظلمكم كنصيب مستحقّ ."
ظلما وقذارات يقذفون على رأس المتوحّد : لكن إذا ما أردت أن تكون نجما فلا يمنعنّك ذلك من أن تضيئهم !
ولتحذر الخيّرين والعادلين! فلا شيء يحلو لهم مثل صلب أولئك الذين يبتدعون فضائلهم الخاصّة – إنهم يحقدون على المتوحّد .
ولتحذر أيضا السذاجة المقدّسة ! فكلّ ما ليس ساذجا مدنّسٌ في نظرها ؛ وإنه ليحلو لها أيضا أن تلعب بالنار- نار المحرقة .
ولتحذر أيضا اندفاعات محبّتك ! إنّ المتوحّد متسرع في مدّ يده لكلّ من يعترضه.
بعض الناس لا يحقّ لك أن تمدّ إليهم يدك، بل كفّ السّبع: وأريد أن تكون لكفّك مخالب أيضًا.
لكنّ أشرس الأعداء ممن يمكن أن تلتقي ستكون ذاتُك دوما؛ أنت الذي تتربّص بنفسك داخل الكهوف والغابات .
وحيدا تمضي على طريقك إلى نفسك! عبرك أنت ذاتك وعبر شياطينك السبع تمرّ طريقك!
زنديقا ستكون في عين نفسك وساحرا وعرّافا ومهرّجا وومشكّكا ومدنَّسا وشرّيرا. ستريد أن تحرق نفسك في لهبك الخاصّ : كيف يمكنك أن تغدو جديدًا إن لم تتحوّل أولا إلى رماد!
وحيدا تمضي على طريق المبدع : إلَهًا تريد أن تصنع لنفسك من شياطينك السبع !
وحيدا تمضي على طريق المحبّ : نفسَك تحبّ، ولذلك تحتقر نفسَك كما لا يمكن إلاّ لمحبّ أن يحتقر.
خلقًا يريد المحبّ لأنه يحتقر ! ماذا يعرف عن الحبّ ذلك الذي لم يكن عليه أن يحتقر بالذات من يحبّ !
لتمض بحبّك إلى عزلتك، وبإبداعك يا أخي؛ بعدها ستتبعك العدالة مجرجرة رجلها العرجاء من ورائك.
لتمض برفقة دموعي إلى عزلتك يا أخي. إنني أحبّ ذاك الذي يريد أن يبدع ما يفوق منزلته ويمضي هكذا إلى حتفه .-
هكذا تكلّم زرادشت.
أغنية الليل*
إنّه الليل : هي ذي الينابيع الفيّاضة ترفع صوتها في حديث مسموع . وروحي
هي أيضًا نبع فيّاض.
إنّه الليل : هي ذي أغاني المحبّين تستيقظ الآن . وروحي هي أيضًا
أغنية محبّ.
شيء في داخلي لم يُسكَّن ولا شيء يسكّنه يريد أن يرفع صوته . ظمأ إلى
الحبّ يسكنني، يتكلّم هو أيضًا لغة الحبّ .
نور أنا : آه ليتني كنت ليلاً ! لكن تلك هي وحدتي، أن أكون متمنطقًا بحزام
من نور.
آه، لو كنتُ قاتمًا وليليًّا، لكم كنت سأكرع من ثدي النّور!
وأنتِ أيضًا أيّتها الكواكب الصغيرة الملتمعة وحباحب السماء البرّاقة ، لكم كنت
أودّ لو أنّي أباركك -و أنعم بسعدة نيْل هبتك الضوئيّة .
لكنّني أحيا داخل نوري الخاصّ، وأمتصّ ألسنة اللهب الطالعة منّي .
لا أعرف سعادة المتناولين، وغالبا ما حلمت بأنّ السرقة لا بدّ أن تكون أكثر متعة من
الأخذ .
تلك هي فاقتي: أن لا تكفّ يداي أبدًا عن العطاء، وذلك هو حسدي: أن أرى عيونًا ملؤها الانتظار ولياليَ يضيؤها الشوق .
يا لَشقاء كلّ المانحين ! يا لكسوف شمسي ! يا للرغبة المتعطّشة إلى الرغبة
في شيء ما ! يا للجوع الحارق الذي في الشبع !
إنّهم يتناولون من يدي؛ لكن ترى هل ألمس روحهم ؟ ما بين الأخذ والعطاء هوّة ، وإنّ أصغر الفجوات لأكثرها تعذّرا على التجاوز.
جوعٌ يطلع من جمالي؛ وإنّي لأرغب في أن أسيء إلى كلّ الذين أنيرهم، والذين أجود عليهم أريد أن أسرقهم –كذا أنا أتعطّش إلى السوء .
أسحب يدي لحظةَ تمدّون أيديكم إليّ : تمامًا مثل الشلال يتردّد وهو في غمرة التدفّق –كذا أنا أتعطّش إلى السوء .
ثرائي هو الذي يتدبّر مثل هذا الانتقام، ومثل هذه الأحابيل تنبع من وحدتي .
سعادتي التي في العطاء استُنفذت في العطاء، وفضيلتي أنهكها زخمها الخاص.
من يظلّ على الدوام يمنح يتربّص به خطر أن يفقد الحياء، ومن يوزّع على الدوام يصيب يده وقلبه سكر الكَنَب من فرط التوزيع.
عيني لم تعد تدمع لخجل السائلين، ويدي غدت أصلب من أن تشعر بارتعاشة الأيدي المليئة .
ما الذي جرى لدموع عيني وزغب قلبي؟ يا لوحدة كلّ المانحين! يا لصمت كلّ المضيئين !
شموس كثيرة تحوم في فضاءات خلاء، وكلَّ نفس قاتمة تحدّثها بنورها؛ أمّا أنا فلا تنبس لي بكلمة .
أوه، عداء النور لكلّ ما هو مضيء؛ بلا رحمة يمضي النور في طريقه .
حاملةً في الأعماق قسوتها تجاه كلّ مضيء، باردةً إزاء الشموس؛ هكذا تمضي كلّ شمس.
مثل عاصفة تمضي الشموس في مداراتها؛ تتبع إرادتها التي لا تنثني: تلك هي برودتها.
وحدكم أنتم أيّها القاتمون الليليّون تستمدّون دفأكم من المضيئين! ووحدكم ترتشفون ×الحليب وكلّ شراب منعش من ضرع النّور .
آه، جليدٌ من حولي، ويدي تحترق لملامسة كلّ جليديّ . آه، ظمأٌ يسكن روحي ويتوق إلى عطشكم .
إنّه الليل : آه، لِم ينبغي عليّ أن أكون نورًا ! وعطشًا لما هو ليليّ ! ووحدةً !
إنّه الليل : هي ذي رغبتي تنفجر فيَ الآن مثل نبع ؛ رغبتي تريد الحديث .
إنّه الليل : هي ذي الينابيع الفيّاضة ترفع صوتها في حديث مسموع . وروحي هي أيضًا نبع فيّاض .
إنّه الليل : هي ذي أغاني المحبّين تستيقظ الآن. وروحي هي أيضًا أغنية محبّ."
هكذا تكلم زرادشت .
*مقتطعات من الترجمة التي بصدد الانجاز عن اللغة الألمانية من طبعة "الدراسة النقدية" للأعمال الكاملة لنيتشة التي أعدها جيورجيو كوللي ومازّيونو مونتيناري. إصدارات:
DTV; Deutsche Taschenbuch Verlag GmbH&Co. München
كاتب ومترجم تونسي يقيم في برلين
عن موقع كيكا الثقافي
ثلاثة فصول من كتاب "هكذا تكلم زرادشت" لفريدريش نيتشة
إهداء: إلى الشاعر علي الدميني أولا،
وإلى النعامة العربية سيدة الحكمة والمراوغة ثانيا.
نيتشه
عن مشاهير الحكماء
الشعبَ وخرافات الشعب خدمتم، يا مشاهير الحكماء، جميعكم !- وليس الحقيقة ! ولهذا بالذات غمركم الناس بآيات الإجلال .
ولذلك أيضا تحمّل الناس عدم إيمانكم، لأنه كان مجرد دعابة ومسلكا ملتويا باتجاه الشعب. كذا يفعل السيد وهو يغض الطرف عن عبيده ويتسلى أيضا بمرحهم العابث.
لكن الذي يكون مكروها من الشعب كالذئب لدى الكلاب: هو العقل الحر، عدوّ القيود ، المُدبر عن العبادة، الساكن في الأدغال.
مطاردته و إجلاؤه عن مخدعه ؛ ذلك ما يعني لدى الشعب "حسّا بالعدالة ": وضده يستثير كلابه الأكثر شراسة .
"ذلك أنه هنا تكون الحقيقة: إذا ما كان الشعب هنا! و ويل، ويل للسالك دروب البحث !" هكذا ظل يُعلن على الملأ منذ القدم .
أردتم إقرار الصواب لشعبكم في عبادته؛ وسمّيتم ذلك "إرادة الحقيقة"، يامعشر مشاهير الحكماء!
وكان قلبكم يحدّث نفسه على الدوام: "من الشعب أتيتُ؛ ومن هناك أيضا أتاني صوت الله ".
مثابرين ودهاة على غرار الحمار كنتم دوما في دفاعكم عن الشعب .
والبعض من ذوي الجاه ممن كان يروم السير سيرة المحنّك مع الشعب قد شدّ إلى مقدمة جياده أيضا حمارا: واحدًا من مشاهير الحكماء .
والآن، أردت لو تلقوا عنكم أخيرا جلد الأسد كليًّا يا معشر مشاهير الحكماء!
جلد الحيوان المفترس، الجلد المزوّق وفروة المستطلع ،الباحث، الغازي !
سيكون عليكم أن تحطموا إرادة العبادة التي في أنفسكم أوّلاً، كيما أتعلم الاعتقاد في "صدقكم".
صادق – كذا أسمّي ذلك الذي يمضي في صحاري لا آلهة فيها وقد حطّم قلبه المتعبّد.
تائها في الرمال الصفراء و ملفوحا بلهب الشمس قد يرنو بعينه ظمِئًا إلى جزر ملئية ينابيع حيث يستلقي الأحياء تحت أشجار ظليلة .
لكن ظمأه لن يقنعه بأن يغدو شبيها بهؤلاء المستلقين في الرفاه : ذلك أنه حيثما توجد واحات تكون هناك أيضا أصنام وتماثيل آلهة .
جائعةً ، عنيفةً ، وحيدةً ، وكافرةً : كذا تريد إرادة الأسد لنفسها أن تكون .
منعتقةً من سعادة العبيد، مخلَّصةً من الآلهة والعبادات، مخيفة لا تعرف الخوف، عظيمة و وحيدة: كذا هي إرادة صديق الحقيقة .
في الصحراء كان يقيم منذ الأزل أصدقاء الحقيقة، العقول الحرة، أسيادا على الصحراء ؛ لكن في المدن يقيم المتخمون علفا ؛ مشاهير الحكماء – دوابّ الحمل.
وعلى الدوام يدبّون فعلا كالحمير- يجرّون عربة الشعب!
كلا، لستُ بالحانق عليهم من أجل ذلك : لكنهم خدماً يظلّون بالنسبة لي ودوابّاً مسرّجة ، حتى وإن بدوا ملتمعين بسروج من ذهب .
وغالبا ما كانوا خدما جيّدين وجديرين بالإطراء. إذ هكذا تتكلم الفضيلة : " إذا ما كان عليك أن تكون خادما، فلتبحث لك عن ذلك الذي يستفيد من خدمتك على أفضل وجه !
وليكن لسيّدك كسب في مزيد عقل وفضيلة، لأنك أنت الذي تخدمه: هكذا تترعرعون بدورك مع نمو عقله وفضيلته !" الحقَّ أقول لكم يا معشر الحكماء، يا خادمي الشعب! لقد ترعرعتم أنتم أيضا على عقل الشعب وفضيلته –والشعب كذلك من خلالكم! إكراما لكم أقول هذا !
لكنكم تظلون شعبا في نظري حتى في فضيلتكم، شعب بأعين بليدة ،-شعب لا يفقه معنى العقل!
العقل هو الحياة التي تجترح نفسها في الحياة ؛ وفي المعاناة الخاصة تنمو المعرفة الخاصة،- هل علمتم بهذا الأمر من قبل؟
وإن سعادة العقل هي هذه: أن يكون مضمّخا بالدهن ومعمّدا بالدموع من أجل أن يكون أضحية،
- هل علمتم بهذا الأمر من قبل ؟
وإنّ عماء الأعمى وبحثه وتلمّسه ليست سوى الدليل الشاهد على قوّة وسلطان الشمس التي يحدّق فيها ،- هل علمتم بهذا الأمر من قبل؟
بالجبال ينبغي على مريد المعرفة أن يتعلّم البناء ! وإنه لشيء قليل أن يكون العقل قادرا على زحزحة الجبال،- هل علمتم بهذا الأمر من قبل ؟
إنكم لا تعرفون من العقل سوى شرارته، لكنكم لا ترون أي سندان هو، ولا قسوة مطرقته !
الحق أقول لكم، إنكم لا تعرفون كبرياء العقل! وأقلّ من ذلك ستكون قدرتكم على تحمّل تواضع العقل إذا ما عنّ لذلك التواضع أن يتكلم في يوم ما !
أبدا لن تجرؤوا على القذف بعقلكم في حفرة جليد: فليس لكم ما يكفي من الحرارة من أجل ذلك! وهكذا فأنتم لا تعرفون أيضا نشوة برده .
لكنكم وفي كل أمر تبدون في هيأة الخبير جدا بأمور العقل؛ ومن الحكمة جعلتم مأوى فقراء ومصحّة للشعراء الرديئين .
لستم صقورا؛ وهكذا لم يكن لكم أن تخبروا السعادة التي في رعب العقل. ومن لم يكن طائرا لا يحق له أن يبني عشه فوق الهوى السحيقة .
فاترون أنتم في نظري: لكن بردا قارسا تتدفق كل معرفة عميقة. شديدة البرد هي الينابيع العميقة للعقل: طراوة منعشة بالنسبة للأيادي الحارّة وللفاعلين.
محترَمين أراكم تقفون أمامي، بهيآت متصلبة وظهور كالأعمدة، يا معشر مشاهير الحكماء ! –لا تدفعكم ريح قوية وإرادة عاتية.
ألم تروا قط شراعا يمضي فوق البحر منتفخا متقوّسا ومرتعشا بالعصف الشديد للريح ؟
كما الشراع، مرتعشا بالعصف الشديد للعقل تمضي حكمتي فوق البحر –حكمتي المتوحّشة !
أما أنتم يا خَدَمة الشعب، ويا مشاهير الحكماء – من أين لكم أن تمضوا معي !-
هكذا تكلم زرادشت .
عن طريق المبدع
أتريد أن تمضي إلى الوحدة يا أخي؟ أتريد أن تبحث عن الطريق إلى نفسك ؟ تمهّل قليلا إذن واصغ إليّ .
" إنّ من يبحث يمضي بدوره إلى الضياع بسهولة. وكلّ اعتزال خطيئة ": هكذا يتكلّم القطيع . ولوقت طويل كنتَ مع القطيع .
سيظل صوت القطيع يرنّ في داخلك. وعندما ستقول : " لم يعد لي من ضمير مشترك معكم"، سيكون ذلك شكوى ووجعا .
أنظر، ذلك الوجع ذاته إنما ولّده ذاك الضمير : وآخر بصيص من ذلك الضمير ما يزال يشتعل فوق لوعتك .
لكنك تريد المضي على درب لوعتك الذي هو دربك إلى ذاتك ؟ أرني إذن إن كنت حقيقاً بذلك وذا طاقة عليه !
هل أنت طاقة جديدة وحقّ جديد ؟ حركة أولى ؟ دولاب يدفع نفسه بنفسه؟ سيكون بإمكانك إذن أن ترغم النجوم على الدوران حولك.
آه ، لكم هناك من طمع متلهف على الأعالي ! وهناك الكثير من صراعات الطموحين ! أرني أنك لست واحدا من الطماعين والطموحين !
آه، كم هناك من الأفكار الكبيرة التي لا تعدو كونها محاكاة لفعل للفقاقيع : تنتفخ لتزيد من من فراغ الفراغ .
حرّا تسمّي نفسك ؟ أريد إذن أن أستمع إلى فكرتك المسيطِرة، لا إلى كونك تخلّصت من نير.
هل أنت واحد ممن حقّ لهم أن يتخلّصوا من نير؟ هناك من رمى بآخر قيمة له عندما رمى بآخر أواصر عبوديته.
حرّ من ماذا؟ ما همّ زرادشت في هذا ؟ بل لتقل لي نظرتُك بوضوح : من أجل ماذا ؟
هل تستطيع أن تمنح نفسك خيرَك وشرَّك وأن تعلّق إرادتك مثل قانون فوقك؟ هل تستطيع أن تكون قاضي نفسك والمقتصّ لقانونك ؟
فظيع أن تكون على انفراد مع قاضي قانونك الخاصّ والمقتصّ له . نجم يُقذف به هكذا في فضاءٍ خلاءٍ وفي الوهج الجليدي للوحدة .
إلى اليوم مازلت تعاني من أولئك الكثيرين، أنت الواحد : إلى اليوم ماتزال شجاعتك كاملة وكذلك آمالك .
لكن سيأتي يوم تتعب فيه من وحدتك، في يوم ما ستنثني كبرياؤك وستصرّ دواليب شجاعتك. في يوم ما ستصرخ: "إنني وحيد !"
في يوم ما لن تستطيع أن ترى علوّك، وتكون وضاعتك ملاصقة لك؛ مقدّسك ذاته سيغدو مثل شبح مرعب بالنسبة لك. و ستصرخ ذات يوم : "الكلّ باطل !"
هناك أحاسيس تريد قتل المتوحّد؛ وإذا ما لم تفلح في ذلك فإنه سيكون عليها هي إذن أن تموت! هل أنت قادر على أن تكون قاتلا ؟
هل تعرف كلمة "احتقار" يا أخي ؟ وعذاب عدالتك في إنصاف أولئك الذين يحتقرونك ؟
إنك ترغم الكثيرين على مراجعة معرفتهم بك؛ ذاك هو ما يحاسبونك عليه حسابا عسيرا. لقد اقتربت منهم لكنك مضيت في طريقك؛ ذلك ما لن يغفروه لك أبدًا .
إنك تقفز من فوقهم : لكن كلما ازددت ارتفاعا إلا وتراءيت صغيرا في أعين حسّادك. غير أنّ الذي يحلق طائرا هو من تنصبّ عليه نقمتهم غالبا.
"كيف تريدون أن تكونوا عادلين تجاهي!" –كذا ينبغي عليك أن تتكلم- "إنني أختار لنفسي ظلمكم كنصيب مستحقّ ."
ظلما وقذارات يقذفون على رأس المتوحّد : لكن إذا ما أردت أن تكون نجما فلا يمنعنّك ذلك من أن تضيئهم !
ولتحذر الخيّرين والعادلين! فلا شيء يحلو لهم مثل صلب أولئك الذين يبتدعون فضائلهم الخاصّة – إنهم يحقدون على المتوحّد .
ولتحذر أيضا السذاجة المقدّسة ! فكلّ ما ليس ساذجا مدنّسٌ في نظرها ؛ وإنه ليحلو لها أيضا أن تلعب بالنار- نار المحرقة .
ولتحذر أيضا اندفاعات محبّتك ! إنّ المتوحّد متسرع في مدّ يده لكلّ من يعترضه.
بعض الناس لا يحقّ لك أن تمدّ إليهم يدك، بل كفّ السّبع: وأريد أن تكون لكفّك مخالب أيضًا.
لكنّ أشرس الأعداء ممن يمكن أن تلتقي ستكون ذاتُك دوما؛ أنت الذي تتربّص بنفسك داخل الكهوف والغابات .
وحيدا تمضي على طريقك إلى نفسك! عبرك أنت ذاتك وعبر شياطينك السبع تمرّ طريقك!
زنديقا ستكون في عين نفسك وساحرا وعرّافا ومهرّجا وومشكّكا ومدنَّسا وشرّيرا. ستريد أن تحرق نفسك في لهبك الخاصّ : كيف يمكنك أن تغدو جديدًا إن لم تتحوّل أولا إلى رماد!
وحيدا تمضي على طريق المبدع : إلَهًا تريد أن تصنع لنفسك من شياطينك السبع !
وحيدا تمضي على طريق المحبّ : نفسَك تحبّ، ولذلك تحتقر نفسَك كما لا يمكن إلاّ لمحبّ أن يحتقر.
خلقًا يريد المحبّ لأنه يحتقر ! ماذا يعرف عن الحبّ ذلك الذي لم يكن عليه أن يحتقر بالذات من يحبّ !
لتمض بحبّك إلى عزلتك، وبإبداعك يا أخي؛ بعدها ستتبعك العدالة مجرجرة رجلها العرجاء من ورائك.
لتمض برفقة دموعي إلى عزلتك يا أخي. إنني أحبّ ذاك الذي يريد أن يبدع ما يفوق منزلته ويمضي هكذا إلى حتفه .-
هكذا تكلّم زرادشت.
أغنية الليل*
إنّه الليل : هي ذي الينابيع الفيّاضة ترفع صوتها في حديث مسموع . وروحي
هي أيضًا نبع فيّاض.
إنّه الليل : هي ذي أغاني المحبّين تستيقظ الآن . وروحي هي أيضًا
أغنية محبّ.
شيء في داخلي لم يُسكَّن ولا شيء يسكّنه يريد أن يرفع صوته . ظمأ إلى
الحبّ يسكنني، يتكلّم هو أيضًا لغة الحبّ .
نور أنا : آه ليتني كنت ليلاً ! لكن تلك هي وحدتي، أن أكون متمنطقًا بحزام
من نور.
آه، لو كنتُ قاتمًا وليليًّا، لكم كنت سأكرع من ثدي النّور!
وأنتِ أيضًا أيّتها الكواكب الصغيرة الملتمعة وحباحب السماء البرّاقة ، لكم كنت
أودّ لو أنّي أباركك -و أنعم بسعدة نيْل هبتك الضوئيّة .
لكنّني أحيا داخل نوري الخاصّ، وأمتصّ ألسنة اللهب الطالعة منّي .
لا أعرف سعادة المتناولين، وغالبا ما حلمت بأنّ السرقة لا بدّ أن تكون أكثر متعة من
الأخذ .
تلك هي فاقتي: أن لا تكفّ يداي أبدًا عن العطاء، وذلك هو حسدي: أن أرى عيونًا ملؤها الانتظار ولياليَ يضيؤها الشوق .
يا لَشقاء كلّ المانحين ! يا لكسوف شمسي ! يا للرغبة المتعطّشة إلى الرغبة
في شيء ما ! يا للجوع الحارق الذي في الشبع !
إنّهم يتناولون من يدي؛ لكن ترى هل ألمس روحهم ؟ ما بين الأخذ والعطاء هوّة ، وإنّ أصغر الفجوات لأكثرها تعذّرا على التجاوز.
جوعٌ يطلع من جمالي؛ وإنّي لأرغب في أن أسيء إلى كلّ الذين أنيرهم، والذين أجود عليهم أريد أن أسرقهم –كذا أنا أتعطّش إلى السوء .
أسحب يدي لحظةَ تمدّون أيديكم إليّ : تمامًا مثل الشلال يتردّد وهو في غمرة التدفّق –كذا أنا أتعطّش إلى السوء .
ثرائي هو الذي يتدبّر مثل هذا الانتقام، ومثل هذه الأحابيل تنبع من وحدتي .
سعادتي التي في العطاء استُنفذت في العطاء، وفضيلتي أنهكها زخمها الخاص.
من يظلّ على الدوام يمنح يتربّص به خطر أن يفقد الحياء، ومن يوزّع على الدوام يصيب يده وقلبه سكر الكَنَب من فرط التوزيع.
عيني لم تعد تدمع لخجل السائلين، ويدي غدت أصلب من أن تشعر بارتعاشة الأيدي المليئة .
ما الذي جرى لدموع عيني وزغب قلبي؟ يا لوحدة كلّ المانحين! يا لصمت كلّ المضيئين !
شموس كثيرة تحوم في فضاءات خلاء، وكلَّ نفس قاتمة تحدّثها بنورها؛ أمّا أنا فلا تنبس لي بكلمة .
أوه، عداء النور لكلّ ما هو مضيء؛ بلا رحمة يمضي النور في طريقه .
حاملةً في الأعماق قسوتها تجاه كلّ مضيء، باردةً إزاء الشموس؛ هكذا تمضي كلّ شمس.
مثل عاصفة تمضي الشموس في مداراتها؛ تتبع إرادتها التي لا تنثني: تلك هي برودتها.
وحدكم أنتم أيّها القاتمون الليليّون تستمدّون دفأكم من المضيئين! ووحدكم ترتشفون ×الحليب وكلّ شراب منعش من ضرع النّور .
آه، جليدٌ من حولي، ويدي تحترق لملامسة كلّ جليديّ . آه، ظمأٌ يسكن روحي ويتوق إلى عطشكم .
إنّه الليل : آه، لِم ينبغي عليّ أن أكون نورًا ! وعطشًا لما هو ليليّ ! ووحدةً !
إنّه الليل : هي ذي رغبتي تنفجر فيَ الآن مثل نبع ؛ رغبتي تريد الحديث .
إنّه الليل : هي ذي الينابيع الفيّاضة ترفع صوتها في حديث مسموع . وروحي هي أيضًا نبع فيّاض .
إنّه الليل : هي ذي أغاني المحبّين تستيقظ الآن. وروحي هي أيضًا أغنية محبّ."
هكذا تكلم زرادشت .
*مقتطعات من الترجمة التي بصدد الانجاز عن اللغة الألمانية من طبعة "الدراسة النقدية" للأعمال الكاملة لنيتشة التي أعدها جيورجيو كوللي ومازّيونو مونتيناري. إصدارات:
DTV; Deutsche Taschenbuch Verlag GmbH&Co. München
كاتب ومترجم تونسي يقيم في برلين
عن موقع كيكا الثقافي
No comments:
Post a Comment