:ينحو العرض المسرحي لموسوم (سيمفونية الخراب) منحا سيميائيا، اذ ان التحول النوعي للعلامات المؤسسة لبنية العرض المونودرامي يمثل سمة طاغية على الخطة الاخراجية التي احكم انساقها المبدع شاكر عبد العظيم مؤلفا ومخرجا وممثلا حتى سار العرض باتجاه ضخ المزيد من الافكار والشخصيات والدلالات المتغايرة. وهذه سمة مضافة اخرى عززت ثقة المتلقي بجدوى العرض واهميته من ناحيتي (الشكل والمضمون). فعلى صعيد الشكل احتفى نص العرض بكم قليل من المفردات والقطع الديكورية فلا شيء سوى (قطعتين) يمثلان تابوتين وقطعة قماش توحي بقبر الزوجة وثمة خلفية من الورق غلفت عموم جدران المسرح اريد لها الايحاء بقتامة الماضي المقبور والتي تمزق في نهاية العرض للايحاء بسوداوية الماضي وبدء تباشير التغيير في الواقع الحالي.
اسلوبيا ينتمي عرض (سيمفونية الخراب) الى النوع الدرامي المسمى (المونودراما) اي العرض ذو الصوت الواحد او الممثل الواحد الذي يقع على كاهله تجسيد عدد من الشخصيات والحالات المختلفة اما على صعيد المضمون فقد احتوى العر ض على جملة افكار في مقدمتها: الفكرة المحورية التي مفادها: ان الثقافة امضى الاسلحة فضلا عن ادانة الديكتاتورية وتمجيد الحرية والسلام والولاء للوطن الى جانب القيم الاخرى التي اثرت العرض عندما استحالت الى مشاهد مسرحية بصرية ممتعة ومقنعة افصحت عن مقاربة اخراجية واعية استنطقت العلامات المشهدية وحملتها افكارا ودلالات غنية منحت مضامين العرض بعدا وطنيا وانسانيا وثقلا تراجيديا ابكى الحضور لجسامة الصور المعبرة بنحو مؤثر.ثمة مفاجآت او استخدامات فنية ادهشت المتلقين منها: ما يتصل بطبيعة النص الذي انتج على وفق آلية ليست تقليدية اذ احتشد العرض بالمشاهد المتداخلة بنحو دائري واولى المفاجآت: خروج الممثل (شاكر عبدالعظيم) من (الكمبوشة) فتحة في اسفل مقدمة المسرح ليعلن لزوجته التي مزقها الرصاص وفلذة كبده الذي يمثل البراءة المتهمة وقد قتل (هو الاخر) ليعلن انه قد جاء من العالم السفلي الممثل بالسجن الرهيب اذ ان الممثل يمنح المتلقين فرصا شتى للتأويل ويمكن تفسير ذلك، بقولنا: انه الاستاذ العراقي المثقف الذي خرج للتو من غياهب الاعماق السحيقة في السجون التي امتدت على طول مساحة الوطن ويمكننا القول ايضا: انه الشهيد الذي عاد ليرى ما حدث (على نحو افتراضي) ونحو استرجاعي: (عدت اليكم بجناح مكسور).يبدأ العرض من لحظة مناقشة اطروحته المعدة لنيل شهادة الدكتوراه في موضوع الحرب وبشاعتها، لكنه يفاجىء برفض اللجنة للاطروحة بدعوى انها ربما تثير الفتنة في خضم الحرب المدمرة الخاسرة التي كان وقودها الناس فيقذف به الى الجبهة فيصرخ: (من قاعة النقاش الى جبهة القتال)...لعل اهم ما يقال بشأن عرض (سيمفونية الخراب) هو التحول العلاماتي للمفردات البصرية الذي ابعد العرض عن الرتابة وخلق التشويق، مما انعكس ذلك بنحو ايجابي على الية التلقي، ساد الصمت الا ان الهمهمات الصادرة من وسط القاعة قد قطعت حاجز الصمت وتشبث المتلقون باماكنهم مستغرقين بمتعة التلقي نظرا لما ساد خطاب العرض من اشتغالات ماهرة عبر التوظيف الفني للاشياء وانسنة المفردات المادية من خلال نضج الروح فيها واحالتها الى كائنات حية، اذ تتحول تلك القطع الخشبية التي ترمز الى التوابيت الى حالات عدة منها: (منصة، مدرس، تمثال، انسان، ولد، ضابط، كيس رمل، ساتر، سجن، استاذ، سجين، مدفأة نفطية، جندي...الخ).ان هذا الاستخدام الابداعي المتعدد والمتنوع للقطع الديكورية قد اضفى على العرض سمات التجديد والتجريب المسرحيين، اذ عبر المخرج عن الحالات الانسانية المختلفة اصدق تعبير عبر التوظيف الدلالي للمفردة الجامدة حتى اضحت كما الكائن الحي مصدر اشعاع (جمالي ودلالي). ومما عمق الاحساس لدى المتلقي بقيمة واهمية تلك الاستخدامات الفنية هو التفاعل الصميمي الحقيقي مع المفردات المؤسسة لبنية العرض من قبل الممثل شاكر عبدالعظيم الذي اجتهد في تقديم شخصيات عديدة مفترضة وحالات انسانية ذات مواقف واحداث مفترضة هي الاخرى، وان هذا الاداء التمثيلي غير المفتعل قد منح العرض دفقات من الاحساس الجمالي المتواتر.لقد توفرت في عرض (سيمفونية الخراب) انساق ادبية وفنية عملت على تصعيد القيمتين (الفكرية والجمالية)، فقد كتب النص بلغة زاوجت بين الشعر والنثر وكانت على قدر كبير من الفصاحة والشاعرية المكثفة وجاءت المعالجة الاخراجية فعمقت الاحساس الجمالي لدى المتلقي بقيمة التكوينات والافعال وسينوغرافيا العرض على الرغم من قصور اداء الاضاءة التي اهملت بعض الافعال المسرحية المؤثرة بسبب فقر اجهزة الاضاءة، لكن الغلبة للاداء التمثيلي وحضور الممثل شاكر عبدالعظيم الذي امتع المتلقي في رحلته التراجيدية وهو يدون مأساة الشعب ابان الحرب وما افرزته من حصارات وخسارات وخراب عم البلاد وافسد العباد انها سيمفونية الخراب الذي طال النفوس.من المشاهد ذات الواقع المؤثر على المتلقي مشهد حمل الاب نعش ولده ومشهد السجن والوثن فضلا عن مشاهد التحقيق والحرب والمدفأة وقد اضافت المقطوعات الشعرية للشعراء موفق محمد وعلي الشباني ومهدي حارث الغانمي وعدنان الصائغ بعدا شعريا رصن خطاب العرض وارتقى به الى مراتب متقدمة من الجمال الذي كان يشع عبر الاداء، المتقن والسينوغرافيا الممتعة التي صممها الفنان علي الارناؤوطي.يذكر ان
المسرحية انتجت من قبل كلية الاداب/ جامعة القادسية وقدمت في قاعة الملتقى في الكلية
................
عن جريدة الصباح العراقية
No comments:
Post a Comment